للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: إيماني كإيمان جبريل، ولا أقول مثل إيمان جبريل لأن المثلية تقتضى المساواة في كل الصفات، والتشبيه لا يقتضيه) أي لا يقتضي ما ذكر من المساواة في كل الصفات، بل يكفي لإطلاقه المساواة في بعضها!!

فلا أحد يسوى بين إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء من كل وجه، (بل يتفاوت) إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء، غير أن ذلك التفاوت (هل هو بزيادة ونقص في نفس الذات) أي ذات التصديق والإذعان القائم بالقلب (١) ، (أو) هو تفاوت لا بزيادة ونقص في نفس الذات بل (بأمور زائدة عليها؟ فمنعوا) يعني الحنفية وموافقيهم (الأول) ؛ وهو التفاوت في نفس الذات " (٢)

أقول: هنا أحس المؤلف بأن الاعتراض سيرد على كلامه عن مدى ضرورة التفريق، ولم لا يعتبر من قبيل المشكك ويلغي موضوع " النوع

فقال: " فنحن - معشر الحنفية ومن وافقنا - نمنع ثبوت ماهية المشكك ونقول: إن الواقع على أشياء متفاوتة فيه يكون التفاوت عارضاً لها خارجاً عنها، لا ماهية لها ولا جزء ماهية لامتناع اختلاف الماهية واختلاف جزئها!!

و (لو سلمنا ثبوت ماهية المشكك) ، فلا يلزم كون التفاوت في أفراده بالشدة؛ فقد يكون بالأولوية وبالتقدم والتأخر!! (و) لو سلمنا (أن ما به التفاوت) في أفراد المشكك (شدة كشدة البياض الكائن في الثلج بالنسبة إلى) البياض (الكائن في العاج) (مأخوذ في ماهية البياض بالنسبة إلى خصوص محل) كالثلج، (لا نسلم أن ماهية اليقين منه) أي من المشكك.

(ولو سلمنا أن ماهية اليقين تتفاوت لا تسلم أنه) يتفاوت (بمقومات الماهية) أي أجزائها، (بل بغيرها) من الأمور الخارجة عنها العارضة لها كالإلف للتكرار ونحوه " (٣)


(١) حتى الإذعان عندهم محله القلب، ولا يعنون به الامتثال والعمل.
(٢) ما نقلناه من كلام ابن فورك أوضح من هذا التفلسف في الدلالة على مذهبهم.
(٣) ص ١٨- ١٩، ويلاحظ أن الجملة الأخيرة المتعلقة بتفاوت اليقين هي رد على من قال: إن الإيمان هو التصديق فقط، ثم قال مع ذلك: إن اليقين يتفاوت، كالنووي في شرح مسلم (١/١٤٦- ١٤٨) ، وقد تنبه لذلك المحشي الآخر " قاسم " انظر: ص ٢١٩.

<<  <   >  >>