للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نريد الاسترسال في نقل مثل هذا التفلسف ولا الرد عليه تفصيلا من جنس كلامه، وحسبنا أننا عرفنا مأخذ القوم وأصل قولهم!! ثم نكتفي في الرد عليهم بما أجمله شيخ الإسلام في نقض أصولهم وشبهاتهم مما هو في الحقيقة تفصيل وشرح لما ألزم به الإمام أحمد أسلافهم من قبل، إلا أن في كلام شيخ الإسلام زيادة تتعلق بالقواعد المنطقية التي عرضناها هنا. ...

يقول شيخ الإسلام في بيان أصول غلط المرجئة عامة:

" وهؤلاء غلطوا من وجوه:

أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي فرضه الله على العباد متماثل في حق العباد، وأن الإيمان الذي يجب على شخص يجب مثله على كل شخص.

وليس الأمر كذلك؛ فإن أتباع الأنبياء المتقدمين أوجب الله عليهم من الإيمان ما لم يوجبه على أمة محمد، وأوجب على أمة محمد من الإيمان ما لم يوجبه على غيرهم، والإيمان الذي كان يجب قبل نزول جميع القرآن ليس هو مثل الإيمان الذي يجب بعد نزول القرآن، والإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر الرسول مفصلا ليس مثل الإيمان الذي يجب على من عرف ما أخبر به مجملاً.

فإنه لا بد في الإيمان من تصديق الرسول في كل ما أخبر، لكن من صدق الرسول و (١) مات عقب ذلك لم يجب عليه من الإيمان غير ذلك، وأما من بلغه القرآن والأحاديث وما فيها من الأخبار والأوامر المفصلة فيجب عليه من التصديق المفصل بخبر خبر وأمر أمر ما لا يجب على من لم يجب عليه إلا الإيمان المجمل لموته قبل أن يبلغه شيء آخر.

وأيضا لو قدر أنه عاش فلا يجب على كل واحد من العامة أن يعرف كل ما أمر به الرسول وكل ما نهى عنه وكل ما أخبر به، بل إنما عليه أن يعرف ما يجب عليه هو وما يحرم عليه، فمن لا مال له لا يجب عليه أن يعرف أمره المفصل في الزكاة، ومن لا استطاعة له على الحج ليس عليه أن يعرف أمره المفصل بالمناسك، ومن لم يتزوج ليس عليه أن يعرف ما وجب للزوجة، فصار يجب من الإيمان تصديقا وعملا على أشخاص ما لا يجب على آخرين " (٢) .


(١) في الأصل: أو، وهو خطأ.
(٢) الإيمان، ص١٨٤- ١٨٥.

<<  <   >  >>