للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويزيد ذلك إيضاحا - في موضع آخر - ببيان أن معارف القلب تتفاضل، وأعماله أيضا تتفاضل فيقول:

" إيمان القلوب يتفاضل من جهة ما وجب على هذا ومن جهة ما وجب على هذا، فلا يستوون في الوجوب، وأمة محمد وإن وجب عليهم الإيمان بعد استقرار الشرع، فوجوب الإيمان بالشيء المعين موقوف على أن يبلغ العبد إن كان خبرا، وعلى أن يحتاج إلى العمل إن كان أمراً، وعلى العلم به إن كان علماً.

وإلا فلا يجب على كل مسلم أن يعرف كل خبر وكل أمر في الكتاب والسنة ويعرف معناه ويعلمه؛ فإن هذا لا يقدر عليه أحد. فالوجوب مما يتنوع الناس فيه، ثم قدرهم في أداء الواجب متفاوتة (يعني قدراتهم) .

ثم نفس المعرفة تختلف بالإجمال والتفصيل والقوة والضعف ودوام الحضور، ومع الغفلة فليست المفصلة المستحضرة الثابتة التي يثبت الله صاحبها بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة كالمجملة التي غفل عنها، وإذا حصل له ما يريبه فيها ذكرها في قلبه، ثم رغب إلى الله كشف الريب.

ثم أحوال القلوب وأعمالها مثل محبة الله ورسوله وخشية الله والتوكل عليه والصبر على حكمه والشكر له والإنابة إليه وإخلاص العمل له مما يتفاضل الناس فيها تفاضلا لا يعرف قدره إلا الله عز وجل، ومن أنكر تفاضلهم في هذا فهو إما جاهل لم يتصوره وإما معاند " (١) .

أقول: وفي هذا الكلام الواضح البرهان ما يرد على من زعم من المرجئة أن الإيمان لا يتفاوت مطلقا، أو من زعم أنه يتفاوت بأمور خارجة عن الماهية - كما سبق - فإن هذا ينفي تلك الماهية الموهومة أصلاً، ويبطل قاعدة استواء الأفراد في الماهية بالمرة، ثم إنه يبين فساد أصل عظيم من أصول الإرجاء.. وهو ما يشترطونه عادة عند تعريف الإيمان تعريفا منطقيا كقولهم: "التصديق بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان معلوماً من الدين بالضرورة "، أو " وثبت عنه قطعا "، وما أشبهها (٢) .


(١) الإيمان، ص ٣١٩.
(٢) انظر مثلا شرح الجوهرة المسمى إتحاف المريد، ص٥، والمسايرة شرح المسامرة، ص١٤، وكبرى اليقينيات، البوطي، ص٣ - ٣٥، وتبسيط العقائد الإسلامية، حسن أيوب، ص٩.

<<  <   >  >>