للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنهم يشترطون فيما يؤمن به الثبوت القطعي أو العلم الضروري لأنهم يريدون تحديد ماهية الإيمان التي إذا نقصت ذهب الإيمان كله، ولا بد من تساوي أفرادها فيها كما سبق (١) .

ويعلمون أنهم لو أدخلوا الإيمان بالأعمال كلها في الإيمان للزمهم نفي الإيمان عمن لم يؤمن بالنوافل أو الواجبات التي لا يعرفها كل أحد، فينتقض عليهم التعريف من أساسه، فقيدوا ذلك بما ثبت قطعا لا بما ثبت آحاداً - بزعمهم - أو بما علم بالضرورة لا بما لا يعلم إلا بالتعلم والتنقيب.

وهذه القيود لا تعفيهم ولا تغنيهم؛ فإنهم يمثلون لما علم بالضرورة أو ثبت قطعيا بتحريم الخمر، فهل يلتزمون أن كل من لم يؤمن بتحريم الخمر كافر؟

لا أحسبهم يؤمنون بذلك واقعا وإن سطروه نظرياً؛ فإنه من المعقول جدا أن يكون بعض المسلمين في أطراف الأرض - لا سيما العجم - لم يبلغه هذا التحريم قط، وهو ذلك مؤمن بما بلغه من الإيمان المجمل وأداء الفرائض، فهل يكفرون مثل هذا؟!!

فإن لم يكفروه - وهو ظني بهم - فيلزمهم بطلان ما استحدثوه من تحديد للإيمان يشترطون تحققه في كل مؤمن، والرجوع عن كل ما تركه المنطق في مباحثهم من آثار وأصول.

ولنتابع النقل عن شيخ الإسلام رحمه الله.. قال:

" وهؤلاء منتهى نظرهم أن يروا حقيقة مطلقة مجردة تقوم في أنفسهم،، فيقولون: الإيمان من حيث هو هو، والسجود من حيث هو هو، لا يجوز أن يتفاضل ولا يجوز أن يختلف وأمثال ذلك، ولو اهتدوا لعلموا أن الأمور الموجودة في الخارج عن الذهن متميزة بخصائصها، وأن الحقيقة المجردة المطلقة لا تكون إلا في الذهن، وأن الناس إذا تكلموا في التفاضل والاختلاف فإنما تكلموا في تفاضل الأمور الموجودة واختلافها، لا في تفاضل أمر مطلق مجرد في الذهن لا وجود له في الخارج.


(١) ولو أنهم جعلوه تعريفا للعقيدة أي أصل فقط لربما سلم لهم، لكنه ينقض مذهبهم؛ لأن الدين أعم من العقيدة وهم يريدون ماهية واحدة.

<<  <   >  >>