وأيضا فلو أضاف المتكلمون إلى التصديق شيئا أخر - من أعمال القلب - لا نخرم أصلهم وفسدت قاعدتهم التي هى أن الإيمان شئ واحد لا يتركب ولا يزيد ولا ينقص، ولهذا ألزمهم الإمام أحمد - رحمه الله - إلزاما لا محيص لهم عنه حين قال - فى رسالته إلى الجوزجانى:" وأما من زعم أن الإيمان: الإقرار، فما يقول في المعرفة هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج إلى إن يكون مصدقا بما اقر؟ قال محمد بن حاتم: وهل يحتاج إن يكون مصدقا بما عرف؟ - فأن زعم انه يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار فقد زعم أنه يحتاج إن يكون مقراً ومصدقا بما عرف فهو من ثلاثة أشياء، فإن جحد وقال: لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق فقد قال "قولا" عظيما، ولا أحسب أحدا يدفع المعرفة.
قال المروزي: ولا أحسب أحدا يدفع المعرفة والتصديق (١) .
ففى هذه الأسطر الموجزة ألزم الإمام أحمد إلزاما مفحما كل طوائف المرجئة - المتكلمين منهم والفقهاء - الذين يشتركون جميعا فى أصل وأحد هو عدم إدخال أعمال القلب فى الإيمان، واعتباره عملا واحدا فقط، إما الإقرار " الفقهاء " واما التصديق والمعرفة " المتكلمون: الجهمية والأشاعرية والماتريدية " وهو ألزم شئ للمتكلمين الأشاعرية والماتريدية الذين يفرقون بين مذهبهم ومذهب جهم بالتفريق بين المعرفة - التي هى قول جهم - وبين التصديق الذى هو مذهبهم.
فهذا التفريق نفسه يوقعهم فى هذا الإلزام ولا مناص، فإما أن يلتزموا القول بأن الإيمان هو التصديق المجرد عن المعرفة، وهو ما لا يتصور أن أحدا يقوله، وأما أن يقولوا إنه المعرفة مع التصديق، فيبطل أصلهم الثابت وهو أنه شئ واحد لا يتركب ولا يتعدد وحينئذ يلزمهم إدخال سائر أعمال القلب كما أدخلوا المعرفة.