والحاصل أن هؤلاء لو تجردوا من لوثة التقيدات المنطقية والتكلفات النظرية نقلوها عن الفلاسفة ونظروا لآيات الوحى المبين - التي عرضنا بعضها - لأثبتوا أعمال القلب جميعها أجزاء من الإيمان القلبي الذي هو أهم شطري الإيمان.
٢ - المتصوفة:
كان ضلال المتصوفة فى أعمال القلب من نوع أخر فالقوم مع اهتمامهم الشديد بها (١) وتسميتها أحوالا ومقامات وتفصيل دقائقها - أوقعهم الهوى والابتداع ومتابعة أسلافهم من صوفية الوثنيين الهنود واليونان فى تناقضات وتخبطات أخرجت طائفة منهم عن الدين كله.
فمن ذلك ضلالهم فى "الرضا" - الجامع للانقياد والقبول - فقد خرجوا فيه عما كان عليه السلف إلى معنى فلسفى وثنى، هو الرضا المطلق بكل ما فى الوجود لأنه من إرادة الله وقدره، حتى اعتقدوا وجوب الرضا بالكفر والفسوق والعصيان ووقعوا فى الجبر المحض تحت ستار ما أسموه "شهادة الحقيقة الكونية"!! و "الاستبصار بسر الله فى القدر"!!
وضلوا فى الرجاء والمحبة: حيث افتعلوا بينهما تناقضا، فاحتقروا الرجاء واعتبروه " أضعف مقامات المريدين " وغلوا فى المحبة حتى أسقطوا ما يقابلها من الخوف، وجعلوا همهم - بزعمهم - عبادة الله لذاته لا طمعا فى جنته ولا خوفا من ناره وجعلوا ذروة المحبة:"الفناء" فى المحبوب، ولهذا قال فيهم السلف:"من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق "، وأفضى بهم هذا إلى احتقار الجنة والنار، واحتقار مقام الأنبياء، بل اعتقاد الحلول والوحدة - عياذا بالله!!
ومن الناحية العلمية وضعوا قاعدة:"المحبة نار في القلب تحرق ما سوى المحبوب" واتخذوها ذريعة للتنصل من التعبدات التي تشغلهم عن المحبوب - بزعمهم - كالأشتغال بجهاد أعدائه وتعلم دينه وتعليمه ونشر دعوته بين العالمين.
(١) الذي هو رد فعل لعقلانية المتكلمين وغلو المترفين وجفاف الفقه.