للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضلوا فى التوكل: فجعلوه سلبية مطلقة، وتواكلا رخيصا، وتسولا للمعطين، وتعمدا لإلحاق الضرر بالنفس، وتركا للأسباب المشروعة، بل تركا لأعظم التعبدات - كالدعاء مثلا - فأسقطوا به وبالمحبة من أعمال القلوب الشيء الكثير، فضلا على أنهم غفلوا عن أعظم درجات التوكل، وهو التوكل على الله فى إقامة دينه، والجهاد فى سبيله، ومقاومة الكفر والفساد - كما هو توكل الأنبياء.

وضلوا فى الزهد، فأخرجوه من عمل قلبى إيجابى إلى مظهر سلبى، حتى إنهم حرموا به طلب العلم، لأن ذلك كما قالوا يؤدى إلى تقدير الناس للعالم، وهذا - بزعمهم - ينافى الزهد، وعبدوا الأمة للفقر وبه، وحتى سموا أنفسهم الفقراء، وسموا الله تعالى "الفقر" (١) !!

وبالجملة فلا تكاد تجد شرطا من شروط لا إله إلا الله ولا عملا من أعمال القلب - إلا ولهم فيه ضلال وانحراف، مما كان له أثره العميق فى انتشار الظاهرة واقعيا، ولولا أن غرضنا هنا تتبع الظاهرة فى الفكر وأراء الفرق لتوسعنا فى تفصيل ذلك الذى هو أليق بالواقع والحياة.

٣ - المرجئة الفقهاء (٢) :

وهؤلاء يثبتون أعمال القلب فى ذاتها ولا ينكرون أهميتها، لكنهم يجعلونها شيئا أخر سوى الإيمان، كما يخرجون منه أعمال الجوارح، فإذا سئلوا عن علاقتها بالإيمان قالوا هي من لوازمه أو ثمراته.

وتأتى خطورة مذهبهم - لاسيما في العصور الأخيرة - من جهة أن الإخلال بشيء من أعمال القلوب - التي يعد الإخلال بها كفرا أو معصية في نظر الشارع - لا يكون - على مذهبهم - إخلالا بالإيمان - الذي هو الإقرار والتصديق - إلا باللازم والتبع، وحسبك بهذا ذريعة إلى التساهل فى ذلك (٣) - ولو بمرور الزمن وتطور الظاهرة - ولهذا ألزمهم أهل السنة إلزاما لا محيص لهم عنه كما سبق في كلام الإمام أحمد.


(١) لمعرفة ضلالهم فيما سبق، انظر: مدارج السالكين، الفصول المتعلقة بالمقامات المذكورة، والعبودية، وخاصة من ص ٥٩- ٧٢، ومن ص ١٣١- ١٣٣. وما سيأتى فى تفصيل بعض هذه الأعمال.
(٢) أو الحنفية، وسبق تفصيل مذهبهم فى ص٣٧١
(٣) انظر الإيمان ص ٣٧٧

<<  <   >  >>