للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: " والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب وقول اللسان والأعمال ليست منه، وكان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها ولم يكن قولهم مثل قول جهم، فعرفوا إن الإنسان لا يكون مؤمنا إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم (أى بخلاف قول الأشاعرة فى هاتين القضيتين) (١) ، لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها فى الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا" (٢)

وهنا ينبغي التنبيه على أمر مهم، وهو أن ما ورد عن كثير من التابعين وتلامذتهم في ذم الإرجاء وأهله، والتحذير من بدعتهم، إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء، فإن جهما لم يكن قد ظهر بعد، وحتى بعد ظهوره كان بخراسان، ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق وغيره الذين كانوا لا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة ومن اتبعهم (٣) ، وحتى إن بعض علماء المغرب كابن عبد البر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة (٤) .

ثم حصل في القرن الرابع فصاعدا ما يشبه الاندماج بينهم وبين الأشاعرة، ولم يبق لهم اليوم من وجود إلا بعض الحنفية ومن هؤلاء من يرى الخلاف بينهم وبين السلف الإسلام لفظيا فقط، اعتمادا على كلام شارح الطحاوية وبعض مواضع من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه، وقد تقدم بيان الحق في ذلك.

٤ - طائفة رابعة ليست كأحد من هذه الفرق البدعية:

ولكن خفى عليها مأخذ السلف، فظهرت بمظهر العجز عن إثبات عقيدتها، ونسبت للتقليد المحض، وأعنى بذلك كثيرا من متأخرى أهل السنة الذين لم يقدموا بعمل كاف لصد تيار الإرجاء العصري، بسبب عدم إدراكهم لبعض أسس العقيدة ومنطلقاتها، ومن ذلك موضوع أعمال القلوب، فقد أعياهم الجواب أمام مطالبة المرجئة بدليل على


(١) لأن الأشاعرة ينفون التصديق عمن ورد الشرع بتكفيره.
(٢) الإيمان ص ١٨٣
(٣) تقدم تفصيل ذلك فى باب نشأة الإرجاء.
(٤) آى ضمن كلامه عن الفرق فى الإيمان فى التمهيد، ج٩

<<  <   >  >>