للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) .

وكيف لا وأول كفر وقع في هذا العالم إنما نشأ " من عدم الرضا، فإبليس لم يرض بحكم الله الذي حكم به كونا - من تفضيل آدم وتكريمه، ولا بحكمه الديني - من أمره بالسجود لآدم " (١) ، مع تصديقه بالله واليوم الآخر، وأن الله هو الإله دون ما سواه.

ومن رضي بأصل التحكيم لكن لم ينتف الحرج عن نفسه بل ربما زعزعته شبهة أو لحقه شك، فهذا كالأعراب الذين اسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم.

ومن انتفى عنه الحرج لكن لم يرق إلى درجة التسليم المطلق للوحي أمرا ونهيا وخبرا، فهو ناقص عن مرتبة الإحسان التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم، والتي كان الصديق في ذروتها حتى في أشق المواقف، كموقف الحديبية (٢) .

وهذا هو الرضا الذي قال عنه ابن القيم: " إن الرضا من أعمال القلوب نظير الجهاد من أعمال الجوارح، فان كل واحد منهما ذروة سنام الإيمان، قال أبو الدرداء: ذروة سنام الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر " (٣) .

والرضا يشمل التوحيد كله، ربوبية وألوهية، طاعة وتقربا، ومن هنا قال النبي صلي الله عليه وسلم: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا "، وقال: " من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه ".

" وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين وإليهما ينتهي، وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته، والرضا برسوله والانقياد له والرضا بدينه والتسليم له.

فالرضا بأولوهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه ورجائه، والإنابة إليه، والتبتل إليه، وانجذاب قوي الإرادة والحب كلها إليها، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له.


(١) المدارج ٢ / ٢١٤
(٢) سبق الحديث عنه من ص ٧٣ فصاعدا.
(٣) المدارج ٢ / ٢١٤

<<  <   >  >>