للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرضا بربوبيته: يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن أفراده بالتوكيل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه، وان يكون راضيا بكل ما يفعل به.

فالأول: (أي رضا الألوهية) : يتضمن رضاه بما أمر به.

والثاني: يتضمن رضاه بما يقدر عليه.

وأما الرضا بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه - بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدي إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضي بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهرة وباطنة.

لا يرضي في ذلك بحكم غيره، ولا يرضي إلا بحكمه، فان عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم، واحسن أحواله إن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور (١) .

وأما الرضا بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهي رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليما - ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده أو شيخه وطائفته " (٢) .

ولهذا جاء هذا الرضا بأنواعه مبينا في سورة الأنعام التي هي سورة التوحيد العظمى، فقد اشتملت علي ثلاثة أنواع من الرضا هي جماع التوحيد كله:

١ - الرضا بالله ربا لا شريك له في التقرب والتأله والتعبد:

(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) " الأنعام: ١٦٤ ".

٢ - الرضا بالله حكما لا شريك له في التشريع والطاعة:

(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) " الأنعام: ١١٤ ".


(١) يقصد الشيخ اتباع غيره صلي الله عليه وسلم كتقليد أحد الأئمة لمن هو مضطر لذلك لجهل ونحوه.
(٢) ثم قال رحمه الله: " وهاهنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم فإياك إن تستوحش من الاغتراب والتفرد، فانه والله عين العزة والصحبة مع الله ورسوله، وروح الأنس والرضا به ربا وبمحمد رسولا صلي الله عليه وسلم وبالإسلام دينا " مدارج السالكين (٢/١٧٢ - ١٧٣) .

<<  <   >  >>