للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكثير من الناس يبتغي غيره حكما يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضي بحكمه، وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد: إلا يتخذ سواه ربا، ولا إلها، ولا غيره حكما.

وتفسير الرضا بالله ربا: إن يسخط عبادة ما دونه، هذا هو الرضا بالله إلها، وهو تمام الرضا بالله ربا، فمن اعطى الرضى به ربا حقه سخط عبادة ما دونه قطعا، لأن الرضاء بتجريد ربوبيته يستلزم تجريد عبادته، كما إن العلم بتوحيد الربوبية يستلزم العلم بتوحيد الإلهية

فالحاصل: أن يكون الله وحده المحبوب المعظم المطاع، فمن لم يحبه ولم يطعه ولم يعظمه: فهو متكبر عليه، ومتي احب معه سواه، وعظم معه سواه، وأطاع معه سواه: فهو مشرك، ومتي افرده وحده بالحب والتعظيم والطاعة فهو عبد موحد، والله سبحانه وتعالى اعلم" (١) .

ومنافي الرضا ومقابله هو الاعتراض والكراهية لما انزل الله - بعضه أو كله، وإذا فسرناه بالقول والانقياد، فضدهما الرد والاعتراض والإباء.

وكل هذا مما وقعت فيه الأمة كليا أو جزئيا، فوقع فيها الاعتراض علي توحيد المعرفة والإثبات، والاعتراض علي الأمر الشرعي بالتحليل والتحريم، والاعتراض علي الأمر الكوني، فاعترض كثير منهم علي صفاته، وشريعته، وقضائه وقدره.

واصل هذه الاعتراضات التلقي عن غير الله ورسوله، والاستمداد من غير الوحي وتحكيم غيره، فمنهم من حكم العقل - بزعمه - فنقل فلسفات الوثنيين وحثالة فكر التائهين، وهؤلاء هم أصحاب الكلام.

ومنهم من حكم الذوق والوجد والكشف، وانتكس بالعقل المسلم إلى حضيض الخرافة والوهم، وهؤلاء هم الصوفية.

ومنهم من حكم الأقيسة العقلية، والأعراف السياسية، بحجة تحقيق المصلحة الشرعية، ومراعاة الأصول العقلية (٢) - بزعمهم - فاحلوا من الدماء والأموال والفروج


(١) المدارج (٢ / ١٨١ / ١٨٣)
(٢) وهم فقهاء الرأي وعلماء السلاطين من جهة، وحكام عصور الانحراف من جهة أخري، والحق إن كل ما خالف الشرع فلا مصلحة فيه مطلقا، وكل اصل لم يؤخذ من الشرع فهو فاسد الاعتبار.

<<  <   >  >>