للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرضاته، ظنا منه انه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلا ما قاله الرسول - فيطيعه، ويحاكم إليه، ويتلقى أقواله كذلك، فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك.

وأما إذا قدر على الوصول إلى الرسول، وعرف إن غير من اتبعه هو أولى به مطلقا، أو في بعض الأمور، ولم يلتفت إلى الرسول ولا إلى من هو أولى به - فهذا الذي يخاف عليه، وهو داخل تحت الوعيد، فان استحل عقوبة من خالفه وأذله، ولم يوافقه على اتباع شيخه فهو من الظلمة المعتدين، وقد جعل الله لكل شيء قدرا " (١) .

ويقول رحمه الله في بيان بعض لوازم محبته صلى الله عليه وسلم وهو الأدب معه: " رأس الأدب معه: كمال التسليم والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون إن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم.

فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان - كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل.

فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يرضي بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه، وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فان أذنوا له نفذ وقبل خبره، وإلا فان طلب السلامة اعرض عن أمره وخبره، وفوضه إليهم، وإلا حرفه عن مواضعه، وسمي تحريفه: تأويلا وحملا، فقال: نؤوله ونحمله فلئن يلقي العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق - ما خلا الشرك بالله - خير له من إن يلقاه بهذه الحال.

ولقد خاطبت يوما بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتك بالله لو قدر إن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا، وقد واجهنا بكلامه وبخطابه، أكان فرضا علينا إن نتبعه من غير إن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه، أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم؟!


(١) مدارج السالكين ١ / ٩٩ / ١٠٠

<<  <   >  >>