للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه، فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا وبأي شيء نسخ؟! فوضع إصبعه علي فيه، وبقي باهتا متحيرا وما نطق بكلمة.

هذا أدب الخواص معه، لا مخالفة أمره والشرك به، ورفع الأصوات، وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم (١) ، وعزل كلامه عن اليقين، وان يستفاد منه معرفة الله أو يتلقى منه أحكامه ".

ويقول: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: إن يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما، وان يحب المرء لا يحبه إلا لله، وان يكره إن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره إن يلقى في النار " (٢) .

وليست محبة الله ورسوله دعوى يمكن إن تلوكها ألسنة الزنادقة أو المبتدعين، أو شعارا يرفعه المنافقون، بل هي تحقيق توحيد الله وطاعته باتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمحبته صلى الله عليه وسلم التي لا يكون العبد شاهدا إن محمدا رسول الله إلا بها لا تتحقق إلا باتباعه وتعزيره وتوقيره وتعظيم سنته والتخلي عن التقديم بين يدي أمره ونهيه - كما جاء في حديث: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " (٣) .

يقول الإمام ابن القيم في بيان هذا الأصل العظيم " اصل العبادة: محبة الله، وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتهم من تمام محبته، وليست محبة معه، كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبه.

وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها، فهي إنما تتحقق باتباع آمره، واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمر واجتناب النهى تتبين حقيقة العبودية والمحبة، ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله علما عليها، وشاهدا لمن ادعاها، فقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) "آل عمران:٣١".


(١) يقصد الإمام بذلك الرد على المتصوفة وما يفعلونه في الموالد وغيرها.
(٢) رواه البخاري ومسلم رقم ٤٣
(٣) انظر الكلام عن سنده في جامع العلوم والحكم.

<<  <   >  >>