للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله، وشرطا لمحبة الله لهم، ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شروطه، وتحققه بتحققه، فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة.

بل المعول فى باب معرفة الله: على العقول المتهوكة المتحرية المتناقضة، وفى الأحكام: على تقليد الرجال وآرائها، والقران والسنة إنما نقرؤهما تبركا لا أنا نتلقى منها أصول الدين لا فروعه، ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسعينا فى قطع دابره واستئصال شأفته " (١) .

انظر إلى كلام هذا الإمام وهو يتحدث عن واقع عصره حين كان الانحراف فى توحيد الله بالعبادة، وتوحيد الرسول بالمتابعة - مع دعوى المحبة لله ورسوله - محصورا فى الضلالات الكلامية والبدع السلوكية، كقول الأشاعرة: إن الظواهر النقلية لا بد من عرضها على القواطع، لأنها يقين، وظواهر النقل ظنون بزعمهم (٢) .

وكقول المتصوفة بعرض النصوص الشرعية على الكشف والذوق والحال وكقول المتفقة بعرض الأحاديث الصحيحة على كلام إمام المذهب، ونحو ذلك من الانحرافات المغلفة بالتأويلات الفاسدة.

أقول: ذلك الانحراف على خطورته أين منه ما وقع فى العصور الأخيرة، من تحكيم صريح لقوانين الكفار ومناهجهم وطرق حياتهم، وتقديم ذلك على الكتاب والسنة، ومحاربة الداعين إلى التمسك بالدين وتحكيم الشريعة، واستئصال شأفتهم؟! ومع هذا يدعى أصحاب هذا الكفر المبين ورجال دينهم محبة الله ورسوله ويعبرون عن هذا الحب المزعوم بالمظاهر والاحتفالات البدعية، وأعمال " الضرار" الأخرى ويستدرجون بها عقول بعض العلماء الناصحين، فيتورعون عن الحكم عليهم بما حكم الله عليهم به متذرعين بأنهم غير مستحلين!!

إن الصورة العصرية المناقضة لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي لتوحيد العبادة وتوحيد المتابعة - تتجرد عن التأويلات والأقيسة، وتتعرى


(١) المدارج ٢ / ٣٨٧ - ٣٨٨
(٢) انظر الفصل المتعلق بقانون التعارض من أساس التقديس للرازي.

<<  <   >  >>