للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن قصد المصلحة والإخلاص، وتتجلى فى صورة افتئات صارخ على مقام الألوهية، وتحكم مقنن في حكم الله ورسوله.

هذه الصورة التي من مظاهرها المتكررة الدائمة عرض حكم الله ورسوله وتوقف إقراره على موافقة السلطة التي منحها القانون حق التشريع المطلق.

مثال ذلك: تحريم الخمر، وهو حكم قطعى ضرورى فى الشريعة الإسلامية، يتوسل الدعاة والعلماء الطيبون إلى السلطة الحاكمة أن تقره لكى يصبح تشريعا رسميا ملزما، فإن تكرمت السلطة وقبلت الطلب عرضته على المجلس التشريعى الذي أعطى بحكم الدستور حق التشريع المطلق - ليبدي رأيه بالموافقة أو عدمها!

ثم في المجلس تدور معركة الأصوات بين المؤيدين والمعارضين الذين يعترضون بكل ثقة وبكل جرأة، لأنهم يمارسون عملهم الطبيعي وسلطتهم المشروعة.

وفي أحسن الحالات - بل على احسن الافتراضات - يحصل القرار على الأغلبية، وهنا فقط يصبح حكما ملزما، ويدرج ضمن مواد التشريع الوضعي على انه فقرة من فقراته.

ومع ذلك يظل حق السلطة التشريعية الثابت في إلغاء هذه المادة - متى شاءت - محفوظا بحكم الدستور.

أي لو فرضنا إن دولة ما طبقت بعض أحكام الشريعة، كجلد شارب الخمر مثلا، فهذا الحكم لم يكتسب صفة القانون والإلزام والتنفيذ لصدوره عن الله عز وجل، بل لصدوره عن السلطة التشريعية الرسمية التي أقرته بعد عرضه عليها!!

فالله جل جلاله - عندهم - ليس من حقه التشريع لذاته، ولا هو أهل لان يطاع، وليس لحكمه صفة الإلزام لذاته، وإنما ينتقي ويختار من أحكامه بناء على موافقة مصدر السلطات ومالك حق التشريع، وهم البشر!!

ونحن نسأل هؤلاء المدعين للإسلام السؤال نفسه الذي سأله الإمام ابن القيم أسلافهم، فنقول: لو قدر إن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا، وواجهنا بكلامه وبخطابه وتلا علينا حكم الله في أي أمر، أكان فرضا علينا إن نتبعه ونطيعه رأسا - أم نعرض ما يأتينا به على تلك المجالس؟

<<  <   >  >>