للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا على طاعته، فإن الزكاة فرض عليهم، فقاتلهم على الإقرار بها وعلى أدائها (١) ، بخلاف من قاتل ليطاع هو، ولهذا قال: الإمام أحمد وأبو حنيفة وغيرهما: من قال: أنا أؤدي الزكاة ولا أعطيها للإمام، لم يكن للإمام أن يقاتله، وهذا فيه نزاع بين الفقهاء؛ فمن يجوز القتال على ترك طاعة ولي الأمر جوز قتال هؤلاء، وهو قول طائفة من الفقهاء ويحكى هذا عن الشافعي رحمه الله، ومن لم يجوز القتال إلا على ترك طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا على ترك طاعة شخص معين؛ لم يجوز قتال هؤلاء.

وفي الجملة، فالذين قاتلهم الصديق رضى الله عنه كانوا ممتنعين عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقرار بما جاء به، فلهذا كانوا مرتدين، بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع عن طاعة شخص معين (٢) .

أقول: فإذا انعقد الإجماع على عدم التفريق بين الصلاة والزكاة، وهما عملان ظاهران يمكن إنفكاك أحدهما عن الأخر من وجوه عدة، وقال الصديق:

" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة " وأقره عليه الصحابة كلهم قولا وعملا - فما بالك بمن يفرق بين ركني الإيمان الظاهر والباطن، وجزئي الحقيقة الواحدة المركبة؛ فيفرق بين الإيمان القلبى والعمل الظاهر؟!

وسيأتي في شرح حديث جبريل عليه السلام ما يتعلق ببقية الأركان، ويزيد الأمر وضوحا.


(١) لاحظ قوله رحمه الله: " فقاتلهم على الإقرار بها وعلى أدائها " مع قوله السابق: "
إذا كانوا ممتنعين عن أدائها بالكلية أو عن الإقرار بها "؛ فقد أراد بيان اتحاد الحكم فى الحالتين (حالة الامتناع عن الإقرار، وحالة الامتناع عن الأداء بالكلية) ، فلو فرض وجود من أنكر وجوبها - وهو المتفق على تكفيره بين أهل السنة والمرجئة، فإنه لا ينافي مساواة حكم من أقر بوجوبها وامتنع عن أدائها بحكمه فى كل شيء فهذا الذي فعله الصديق ويذهب إليه أهل السنة، بخلاف المرجئة.
فالكفر عند المرجئة لا يكون إلا بالتكذيب والجحود، ولكنه عند أهل السنة يكون بذلك ويكون بغيره؛ مثل الإباء والاستكبار، وحكمهما واحد.
تنبيه: ليس كل من قال: أن تاركي الزكاة أو بعضهم لم يكفروا زمن الصديق يقول إن من امتنع عن أدائها اليوم لا يكفر، ومن ذلك ما نقله ابن القيم في بدائع الفوائد من خط القاضي (أبي يعلى) حيث جعلهم متأولين، ولم يحكم بكفرهم؛ لأن أحكام الإسلام لم تكن قد انتشرت، قال: " ول منعها مانع في وقتنا حكم بكفره " (٣ / ١٠٤) ، أى لأن أحكام الإسلام قد ظهرت فلا قبول لتأويل كتأويلهم!
(٢) منهاج السنة (٤ / ٥٠٠ - ٥٠١)

<<  <   >  >>