للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتبين لطالب الحق أن ترك الأركان الأربعة وسائر عمل الجوارح كفر ظاهراً وباطناً؛ لأنه ترك لجنس العمل الذي هو ركن الحقيقة المركبة للإيمان، التي لا وجود لها إلا به، هذا مما لا يجوز الخلاف فيه، ومن خالف فيه فقد دخلت عليه شبهة المرجئة شعر أو لم يشعر.

وتتميز الأركان الأربعة عن سائر الواجبات، بأن من لم يلتزم فعلها بقلبه ولمن يعزم على ذلك لا يكون مؤمنا أبداً - أى فى الباطن (١) -؛ لأنه تارك لعمل القلب الذي هو ركن الإيمان، وعنه ينشأ العمل الظاهر، وأما من يضعفه عزمه وينخرم التزامه، فهو على حرف الكفر وحافة النفاق.

وما ورد عن فقهاء الأمة من اختلاف بشأن تارك الصلاة - أو غيرها من الأركان - لا يؤثر على ما سبق، وذلك لأمور:

* الأول: أن ترك جنس العمل شيء وترك بعض آحاده شيء آخر، ولا سيما عند من لا يرى كفر تارك الصلاة؛ إذ هى عنده من جملة الواجبات، فيصح لديه أن يأتي العبد ببعض الواجبات وتنفعه عند الله - مع تركه للصلاة، فلا يلزم من قولهم: أن تاركها لا يكفر أنه عمل له صالحا له، وهذا هو ما يهمنا هنا، وإن كان ثبوت كفره واستلزمه لإحباط سائر عمله هو الحق - كما سنبين.

* الثاني: أنه من خالف في تكفير تارك أحد المباني الأربعة - ولا سيما الصلاة - لا ينبغي الاعتداد بخلافه بعد ثبوت الإجماع من الصحابة رضى الله عنهم في تكفير تارك الصلاة والزكاة، وما أشرنا إليه بالنسبة للصيام والحج - فمع كثرة المخالفين من المتأخرين لم يستطع أحد منهم الإتيان بنقل ثابت صريح عن صحابي أو تابعي يخالف ذلك؛ وذلك أن أول من قال به هم المرجئة، ثم تبعهم من تبعهم، ومتى عرف المرء ذلك تبين له أن هذا القول خارج عن أقوال أهل الاجتهاد إلى أهل البدع، وإن لم يكن كل من قال به من أهل البدع، وإيضاح ذلك في الفقرة التالية.


(١) انظر: كلام سفيان بن عيينه الآتي فى أخر هذا المبحث، حيث نص على أن المرجئة جعلوا من شهد أن لا إله إلا الله، - مصرا بقلبه على ترك الفضائل - بمنزلة ركوب المحارم، قال: وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر كفر. إلخ كلامه.

<<  <   >  >>