للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* الثالث: إن ما تنقله كتب الفقهاء المتأخرين عن بعض الأئمة من خلاف في هذا، لا يخلو من أحوال:

إما أن النقل عنه غير ثابت، وإن ثبت فهو إحدى الروايات عنه (١) ، والموافقة للإجماع هى الأولى بالأخذ.

وإما أن يكون كلامه في مسألة فرعية، كمن ترك فريضة واحدة وليس في التارك المطلق، وسنوضح أهمية التفريق بينهم فى البند الرابع.

وأما أن يكون كلامه ليس صريحا فى الترك، بل في التساهل والتضييع وترك المحافظة، كما سنبين أيضاً.

وإما أن يكون كلامه في حالات مخصوصة، كقول حذيفة رضى الله عنه: " تنجيهم من النار " - أى عند دروس الإسلام واضمحلاله (٢) ، فجعله الناقل قولا عاما مطلقا.

وإما أن يكون المخالف لم يبلغه الإجماع، أو قال بخلافه قبل أن يبلغه، أو لم يره إجماعاً ونظر إلى النصوص المطلقة؛ كحديث: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " ونحو ذلك، وهذا لا يؤثر في ثبوت الإجماع وقوته.

وإما أن يكون المنسوب للإمام المتبوع - هو قول مجتهدي المذهب كلهم أو بعضهم لا قول الإمام نفسه، ولاسيما إذا اعتقد التابع أن القول بالتكفير هو مذهب الخوارج والمعتزلة، فينفي عن إمامه القول به، وهذا ما وقع فيه كثير من فقهاء المذاهب، بل وقع فيه من يحارب المذهبية كالشيخ الألباني (٣) .

وإما أن يكون الناظر في قول الإمام من الأتباع لم يره التزام لازم القول، فظن أن ذلك رجوع عنه أو تناقض ينبغي تبرئته منه، وربما استدل بعضهم بترك لازم اللازم - وذلك مثل استدلال بعضهم بكون الصحابة وسائر المسلمين بعدهم لم يخصصوا مقبرة لتاركي الصلاة، وفاته أن تخصيص مقبرة لازم لإجراء الحكم الظاهر في الدنيا، وإجراء الحكم لازم للقول بالتكفير.


(١) ويشهد لهذا وما بعده من الفقرات اشتهار القول بعدم تكفير تارك الصلاة عن الشافعي، وإطباق متأخري الشافعية على ذلك، مع أن الإمام الطحاوي نسب إليه القول بتكفيره في مشكل الأثار (٤ / ٢٢_ ٣٢٠) ، وهو ابن أخت المزني صاحب الشافعي، وقد كان شافعيا ثم تحول حنفيا، وهذه يؤكده النقل السابق عن الشافعي فى الاستدلال بأية البينة على المرجئة.
(٢) سيأتي إيضاح ذلك في الكلام عن حديث الجهميين.
(٣) انظر رسالته: حكم تارك الصلاة، صلى الله عليه وسلم ٤٢ - ٤٣ وسيأتي الحديث عن هذه الرسالة عند الكلام عن حديث الجهميين آخر الكتاب.

<<  <   >  >>