ولا يشترط التزام اللازم فضلا عن لازمه؛ فإن العالم قد يقول بالتكفير لكن لا يجرى الحكم الظاهر حتى لو كان قاضيا أو إماما لمانع من الموانع، وقد يجرى الحكم الظاهر ولا يرى لازمه؛ كتخصيص مقبرة، فما أبعده من استدلال!!
* الرابع: أن الخلاف في ذلك ليس على إطلاقه وإجماله كما تنقل كتب الخلاف ونحوها، بل تحرير القول وتفصيله في مناط النزاع يظهر حقائق لا يجوز إغفالها، ومن ذلك:
أن المخالف ربما كان كلامه فى الحكم الظاهر وكلام غيره فى الحكم الباطن، وأكثر كلام السلف إنما هو في الحكم الباطن، بعكس كلام الفقهاء المتأخرين - كما سنبين، ولهذا كان الإجماع على تكفير تارك الصلاة أشهر وأظهر والتمثيل بذلك في كتب العقيدة أكثر، لأن المسألة إذا كانت حكمية - فالصلاة هي الركن الوحيد الذي يمكن الحكم على تاركه بيقين؛ بما تختص به من الظهور والتكرار، وعموم جوابها في سائر الأحوال والأوقات.
ولهذا يقولون:" تارك الصلاة " ولا يقولون " تارك الزكاة " غالباً بل " الممتنع عن أدائها " لأنه لا يمكن معرفة ذلك إلا بالامتناع، والصيام أخفى من الزكاة، والحج إنما يجب في العمرة مرة.
أن لفظ " الترك " وشبهه هو من الألفاظ التي وقع فيها الإجمال والالتباس. وكثير من الخلاف سببه الألفاظ وإطلاق الأحكام، كما بين شيخ الإسلام وغيره وتبعاً للإمام أحمد، ومتى وجد التفصيل والتقيد ارتفع الخلاف، ومن ذلك أن كتب العقيدة التي صنفها أهل السنة تعني بالتارك تارك الالتزام بالأمر - أي تارك عمل القلب التارك تبعا لذلك عمل الجارحة (١) ، لأنها كلها تقرر أن الإيمان قول وعمل بالقلب والجوارح - كما أسلفنا، وعليه فالتارك عندهم هو من يستحق الاسم بإطلاق، ولذلك لم تختلف هذه الكتب في حكم تارك الصلاة مثل كتب الفروع ولأن مقصود مصنفيها بيان الحقائق الشرعية ذاتها، وبيان ما يضادها من البدع، ودفع اللبس بينهما.
(١) ولهذا قالوا مرة: إذا قال: لا أصلى، فهو كافر، ومرة قالوا: إذا عزم على تركها، ومرة قالوا: متعمدا ومرة قالوا: إذا قاتل عليها. وذلك لأن هذه الأحوال جميعا تدل على شيء واحد؛ وهو عدم الالتزام.