للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: أنه لا يدل على ترك الزكاة أو ترك حق المال بالكلية، ولابد من جمع الأحاديث والروايات فى هذه المسألة، وبمجموعها يتضح أن المقصود منه ليس تارك الالتزام، بل المفرط المتهاون أو المضيع - كما في الصلاة.

ثانيا: أن هذه الرواية أشبه بالمختصر، ولفظ الرواية التامة: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ... ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم ورودها ... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها ... "

وقال في الخيل:" ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها "، وفي هذه الرواية التامة قال:" حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" وفي الرواية الأخرى قال في الإبل والبقر والغنم: " لا يفعل فيها حقها "، ثم قال: " ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه " ولم يذكر: " حتى يقضى " إلى أخره.

في رواية أخرى في الصحيح: " من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاع أقرع ... " إلخ، وليس فيها " حتى يقضى " إلخ، فهذا لا يعنى أنه لا يدخل النار ولا يخلد فيها، بل هي على إطلاقها، فدل مجموع هذا على أن الوعيد وارد في ترك حق الله عامة لا في الزكاة المفروضة خاصة، وقوله:" ومن حقها حلبها يوم ورودها " وقوله في الخيل ما سبق - صريح في ذلك

والمسلمون جميعا متفقون على أن في المال حقا سوى الزكاة لا يجوز تركه، كنفقة. من تجب عليه نفقته، وإطعام الملهوف، وعابر السبيل، والضيف إذا تعين ذلك عليه، هذا هو المراد.

ويبين ذلك أن الوعيد ورد في حق المكتنز المدخر، الذي يؤدي فعله إلى حبس المال وتعطيل منافعه - وإن لم يكن مما تجب فيه الزكاة، كقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي اكتنز ديناراً أو دينارين: " كية أو كيتان " وكقوله للمرأة ذات المسكتين: " أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار " وما أشبهه، ومعلوم أن هذا دون النصاب المقدر للزكاة، فلابد أن تكون العلة أمرا أخر سوى ترك الزكاة المفروضة.

وبهذا تجتمع الأحاديث التي كثر فيها الاختلاف منذ عهد الصحابة رضى الله عنهم، ويوضح ذلك حال النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من أصحابه، فإنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنز المال وينتظر حتى يحول الحول فيؤدي القدر المعلوم من النصاب المعلوم؛ بل ثبت عنه أنه قال: " ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا إلا أنفقته كله " فكان هو وكثير من

<<  <   >  >>