ثالثا: جمع النصوص المتعلقة بالموضوع وإرجاع المتشابه منها (كحديث الشفاعة) إلى المحكم والظني الدلالة إلى القطعي والاستنارة بأقوال السلف فى ذلك لا أن يعمد الباحث إلى نص واحد يحتمل أكثر من وجه فيجعله عماد بحثه ويبني عليه رأيه ويؤول كل ما خالفه. رابعا: فنبذ طريقة الخلف فى تأويل النصوص الصريحة عن ظاهرها والاعتراض عليها بلوازم متوهمة أو باطلة وإن أشكل ذلك فليراجع جواب علماء السنة عن هذه اللوازم، فإن تأويل ما جاء من النصوص فى هذه المسألة وهو من جنس التأويلات المعطلة والمفوضة كما أن تأويل إجماع الصحابة (على حكم تارك الصلاة) وقد صححه الشيخ فى أكثر من كتاب وتسويغ مخالفته يفتح بابا لنسخ كل أصول العقيدة المتلقاة عنهم المستندة إلى إجماعهم. خامسا: الموازنة بين ما ذكره فضيلته من الاحتراز من التكفير وبين ضرورة تحذير الأمة من الوقوع فى المكفرات فلأن يخطئ أحد فيتجنب ما هو معصية ظنا منه أنه كفر خير من أن يخطئ فيرتكب الكفر ظنا منه أنه مجرد معصية. سادسا: فهم العلاقة التلازمية بين الظاهر والباطن، والعلاقة التركيبية بين القول والعمل من حيث هي وبيانها للقارئ مع تبيين أنه لا يلزم من إجراء أحكام الإسلام ظاهرا ثبوت الإيمان باطنا. سابعا: التفريق بين "السلفية" و"الظاهرية" فى الفهم والاستنباط والاستدلال، وإثبات أن السلفية تجمع بين الضبط والدقة والإحكام من جهة وبين الرحابة والسعة والتنوع فى الرأي من جهة أخرى، وإثبات أن الاعتبار فيها بالحق لا بالرجال. وهنا أتحدث بنعمة الله وأقول: إننى قد جمعت بفضل الله فى مسألة الإيمان وترك العمل ما لا يحصى من النصوص والآثار السلفية فما وجدت قط أي تعارض بينها، وإنما يقع التعارض فى نظر الباحث وبفعله كما لو وضع نصوص الحكم الظاهر فى الحكم الباطن أو العكس (انظر ما سبق فى حديث الجارية) أو عارض الأحكام العامة القطعية بما ورد فى حالات مخصوصة (كما تقدم فى حديث حذيفة وحديث الجهميين) ونحو ذلك. ثامنا: التزام قاعدة مطردة فى تقوية الحديث بشواهده أو تضعيفه مهما تعددت طرقه، فمثلا إذا كانت رواية: "فمن تركها خرج من الملة" لا تتقوى برواية "فمن تركها فقد كفر" بل نضعف الأولى ونؤول الأخرى فما هو التحكم إذن؟ ولا سيما إذا اقترن بذلك تلفيق المتون وفق رأي الباحث مثل إدخال لفظة (فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه) دون لفظة "فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله عز وجل ولا تشركون به شيئا" ص ٣٣ التي هي نص موافق لكل النصوص القطعية فى أنه لا يخرج من النار إلا من عبد الله ولم يشرك به شيئا" وتارك الصلاة" ما عبد الله بل هو مشرك بنص الحديث "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" وهذا يدعو إلى إعادة النظر فى قضية التلفيق والتركيب من أصلها، فأحيانا يكون نص الحديث متفقا عليه فيدخل الباحث فيه لفظا من خارج الصحيحين بغير دلالته مع أن بعض العلماء ينازع فى ثبوته. تاسعا: الاحتراز من ذم التقليد بإطلاق لأسباب منها أن ذلك يشمل أيضا من يشتغل بعلم الرجال فى هذا العصر، إذ لا مصدر لهم سوى محض التقليد وهو حجة لمن يرى أن الاستقلال بالتصحيح والتضعيف غير ممكن فى الأعصار المتأخرة ... وهنا ننبه إلى أنه لا ينبغي الظن بأن المخالف إنما خالف لكونه حنبليا مثلا. عاشرا: تحرير المصطلحات السلفية بل والألفاظ الشرعية من قيود واستعمالات أهل الكلام وأشباههم من ذلك ألفاظ (الإقرار، التصديق، الجحود، الاستحلال، كفر العمل) ونحوها مما له معنى عند السلف وآخر عند المتكلمين ومن اتبعهم. دراسة مدى حاجة الناس إلى بعض أنواع من العلم قد يكون تأخيرها أفضل أتقديم غيرها أوجب كإظهار أن تارك الصلاة لا يكفر فى زمن تكاسل الناس فيه عن الطاعة وفرحوا بزلة العالم وشذوذ المفتى ومثل ذلك مسالة (كفر دون كفر) ونحوها مما يدخل فى فقه الدعوة ومراعاة فائدة العلم وأثره وهو باب واسع، وقد راعاه الشيخ فى قوله: إن الحكم قد خرج من أيدى العلماء.. الخ ص٦٢ وهذا أولى والله أعلم. =