حادى عشر: مراعاة بعض الأمور فى الأسلوب وهى أقل شأنا مما سبق لكن لا ينبغى إغفالها مثل: أ- التقليل ما أمكن من عبارة القطع والجزم والتوكيد فهذا مما ينبغى لصاحب الرأي الراجح فكيف بالمرجوح بل الخطأ، ويؤسفنى أن أقول: إن الرسالة وهى تتكون بعد حذف المقدمة من عشرين صفحة قد وردت فيها هذه العبارات فى ثمانية عشر موضعا ب- تجنب وصف المخالفين ببعض العبارات مثل: الجهل، التعصب، التقليد، الجمود، لا سيما وأن المخالفين فى هذه المسألة إن لم نقل إنهم الصحابة والتابعون فهم من اتبعهم وسار على طرقهم ولعمر الحق ما على متبعهم من حرج. ج- الاحتراز من العبارات المشعرة بتميز الباحث وسبقه إلى ما لم يصل إليه غيره أو أن ما انتهى إليه لا يوجد عند غيره فربما سبقه غيره إلى ما قال صوابا وربما كان التفرد دليلا على الشذوذ. د- التجرد للحق ومحبة ظهوره على يد من كان وإن خالف رأى الباحث فلا يفرح بكتاب جمعه باحث معاصر يوافقه فى الرأى بل يفرح بمن يدله على حقيقة عقيدة السلف وأقوالهم فى هذا، وخاصة إذا كان مثل الشيخ الذى رفعه الله باتباع السلف ونصرة مذهبهم لا بانتصار المعاصرين. وأخيرا أنصح شيخنا الفاضل أن يشرف على كتبه بنفسه ما استطاع أو يكل تهيئه نشرها إلى أكثر من واحد ثم يراجعها قبل النشر فقد يحصل نتيجة ترك ذلك ما لا يرضاه الشيخ، ومن ذلك هذه الرسالة وأنا هنا لن أورد أمثلة لكل ما سبق بل يكفى الإجمال إلا أن يشاء الشيخ التفصيل فأرسله له وأنا واثق من تقبله وسعه صدره بإذن الله - لكننى سأذكر مثالا" لهذه الأخيرة لأن تلاميذ الشيخ قد كثروا فى هذه الأيام وأفهامهم تتفاوت وهو شيخنا جميعا وأولانا به من فهم كلامه وأفاد من علمه وأحب الحق أكثر من حبه له. فالشيخ حفظه الله يقرر فى هذه الرسالة أن تارك الصلاة المصر على تركها حتى يقتل هو الذى يحكم بكفره وعليه تحمل أدلة المكفرين وأن ما عداه هو من أهل الوعيد ويرى أن ذلك تجتمع به أدلة العلماء المختلفين فى هذه المسألة ويلتقون على كلمة سواء، ويعلل ذلك بأن اختياره القتل على فعل الصلاة دليل على أنه كافر كفرا اعتقاديا لا عمليا، والكفر الاعتقادى هو المخرج من الملة عنده لا العملى، هذه خلاصة كلامه. فالشيخ وإن وافق المرجئة فى حصر الكفر فى الاعتقاد قد خالفهم فى زعمهم أن المصر على ترك الصلاة حتى يقتل يجوز أن يكون مؤمنا" فى الباطن وتجرى عليه أحكام الإسلام الظاهرة فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر فى مقابر المسلمين ويرث ويورث ... ذلك الزعم الذى أنكره شيخ الإسلام وجعله من المحال ووافقه الشيخ، فإن إصراره هذا دليل حال يغنى عن المقال بأنه غير معتقد لوجوبها ولا مقر بفرضيتها وعليه فلا يجوز الاختلاف فى تكفيره ولا يجوز إجراء شئ من أحكام الإسلام عليه. وإليك نصوص من كلام الشيخ فى الرسالة: قال ص٤٣: "قلت: وعلى مثل هذا المصر على الترك والامتناع عن الصلاة مع تهديد الحاكم له بالقتل يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر للتارك للصلاة". وقال: "قلت: فهذا نص من الإمام أحمد بأنه لم يكفر بمجرد تركه للصلاة وإنما بامتناعه عن الصلاة مع علمه بأنه يقتل إن لم يصل، فالسبب هو إيثاره القتل على الصلاة، فهو الذى دل على أن كفره كفر اعتقادى" ص٤٧. وقال: "فإن تكفير المسلم الموحد بعمل يصدر منه غير جائز حتى يتبين منه أنه جاحد ولو لبعض ما شرع الله كالذى يدعى إلى الصلاة وإلا قتل" ص٦١. ... ... وقال: "فإن قتل التارك للصلاة بعد دعوته إليها إنما كان لحكمة ظاهرة ولعله يتوب إذا كان مؤمنا" بها فإذا آثر القتل عليها دل ذلك على أن تركه كان جحد فيموت والحالة هذه كافرا" كما تقدم عن ابن تيمية فامتناعه فى هذه الحالة هو الدليل على خروجه من الملة" ص٦٣. هذا ما قرره الشيخ ولازمه بلا ريب أنه لا تجرى عليه من أحكام الإسلام فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن ى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث! غير أن تلميذ الشيخ المقدم للرسالة خالف ذلك - معتمدا" على كلام السخاوى - وجعل قارئ الرسالة يحار بين رأى التلميذ فى المقدمة تبعا للسخاوى وبين رأى الشيخ فى الرسالة تبعا" لشيخ الإسلام، وهما نقيضان لا يجتمعان فإن الذى جعله شيخ الإسلام فرض محال وخبط خيال هو هذا الذى قرره السخاوى وأمثاله بعينه. =