للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَؤُمّ النّاسَ وَيَتَقَدّمَ عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إنّمَا قَدِمْت عَلَيّ مَدَدًا لِي، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَؤُمّنِي، وَأَنَا الْأَمِيرُ، وَإِنّمَا أَرْسَلَك النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيّ مَدَدًا. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: كَلّا، بَلْ أَنْتَ أَمِيرُ أَصْحَابِك وَهُوَ أَمِيرُ أَصْحَابِهِ! فَقَالَ عَمْرٌو: لَا، بَلْ أَنْتُمْ مَدَدٌ لَنَا! فَلَمّا رَأَى أَبُو عُبَيْدَةَ الِاخْتِلَافَ- وَكَانَ حَسَنَ الْخُلُقِ، لَيّنَ الشّيمَةِ- قَالَ: لِتَطْمَئِنّ يَا عَمْرُو، وَتَعْلَمَنّ أَنّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ: «إذَا قَدِمْت عَلَى صَاحِبِك فَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» . وَإِنّك وَاَللهِ إنْ عَصَيْتنِي لَأُطِيعَنّكَ! فَأَطَاعَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَكَانَ عَمْرٌو يُصَلّي بِالنّاسِ.

فَآبَ إلَى عَمْرٍو جَمَعَ- فَصَارُوا خَمْسَمِائَةِ- فَسَارَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ حَتّى وَطِئَ بِلَادَ بَلِيّ وَدَوّخَهَا [ (١) ] ، وَكُلّمَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنّهُ كَانَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ جَمَعَ فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ تَفَرّقُوا، حَتّى انْتَهَى إلَى أَقْصَى بِلَادِ بَلِيّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْن، وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ جَمْعًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ، فَقَاتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنّبْلِ، وَرُمِيَ يَوْمئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ [ (٢) ] بِسَهْمٍ فَأُصِيبَ ذِرَاعُهُ. وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَهَرَبُوا، وَأَعْجَزُوا هَرَبًا فِي الْبِلَادِ وَتَفَرّقُوا، وَدَوّخَ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ وَأَقَامَ أَيّامًا لَا يَسْمَعُ لَهُمْ بِجَمْعٍ وَلَا بِمَكَانٍ صَارُوا فِيهِ، وَكَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَ الْخَيْلِ فَيَأْتُونَ بِالشّاءِ وَالنّعَمِ، وَكَانُوا يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ غَنَائِمُ تُقْسَمُ إلّا مَا ذُكِرَ لَهُ.

وَكَانَ رَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ الطّائِيّ يَقُولُ: كُنْت فِيمَنْ نفر مع أبى عبيدة ابن الْجَرّاحِ، وَكُنْت رَجُلًا أُغِيرُ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى أموال الناس، فكنت


[ (١) ] دوخ البلاد: قهرها واستولى على أهلها. (الصحاح، ص ٤٢١) .
[ (٢) ] فى الأصل: «عمار بن ربيعة» . وما أثبتناه من ابن الأثير. (أسد الغابة، ج ٣، ص ٨٠) .