للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَجْمَعُ الْمَاءَ فِي الْبَيْضِ- بَيْضِ النّعَامِ- فَأَجْعَلُهُ فِي أَمَاكِنَ أَعْرِفُهَا، فَإِذَا مَرَرْت بِهَا وَقَدْ ظَمِئْت اسْتَخْرَجْتهَا فَشَرِبْت مِنْهَا. فَلَمّا نَفَرْت فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ قُلْت: وَاَللهِ لَأَخْتَارَنّ لِنَفْسِي صَاحِبًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ. فَاخْتَرْت أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ فَصَحِبْته، وَكَانَتْ لَهُ عَبَاءَةٌ فَدَكِيّةٌ [ (١) ] ، فَإِذَا رَكِبَ خَلّهَا [ (٢) ] عَلَيْهِ بِخِلَالٍ، وَإِذَا نَزَلْنَا بَسَطَهَا. فَلَمّا قَفَلْنَا قُلْت: يَا أَبَا بَكْرٍ، رَحِمَك اللهُ! عَلّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ. قَالَ: قَدْ كُنْت فَاعِلًا وَلَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي، لَا تُشْرِكْ بِاَللهِ، وَأَقِمْ الصّلَاةَ، وَآتِ الزّكَاةَ، وَصُمْ رَمَضَانَ، وَحُجّ الْبَيْتَ وَاعْتَمِرْ، وَلَا تَتَأَمّرْ [ (٣) ] عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: قُلْت: أَمّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ الصّلَاةِ وَالصّوْمِ وَالْحَجّ فَأَنَا فَاعِلُهُ، وَأَمّا الْإِمَارَةُ فَإِنّي رَأَيْت النّاسَ لَا يُصِيبُونَ هَذَا الشّرَفَ وَهَذَا الْغِنَى وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ النّاسِ إلّا بِهَا. قَالَ: إنّك اسْتَنْصَحْتنِي فَجَهَدْت لَك نَفْسِي، إنّ النّاسَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا فَأَجَارَهُمْ [ (٤) ] اللهُ مِنْ الظّلْمِ، وَهُمْ عُوّادُ اللهِ وَجِيرَانُ اللهِ، وَفِي أَمَانَتِهِ، فَمَنْ أَخْفَرَ فَإِنّمَا يُخْفِرُ اللهُ فِي جِيرَانِهِ، وَإِنّ شَاةَ أَحَدِكُمْ أَوْ بَعِيرَهُ لِيَذْهَبَ فَيَظِلّ نَاتِئًا [ (٥) ] عَضَلَهُ غَضَبًا لِجَارِهِ، وَاَللهُ مِنْ وَرَاءِ جَارِهِ. قَالَ: فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جِئْته فَقُلْت: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَمْ تَنْهَنِي أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى اثْنَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ! قَالَ: فَمَا لَك تَأَمّرْت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ؟ قَالَ: اخْتَلَفَ النّاسُ وَخَشِيت


[ (١) ] لعلها منسوبة إلى فدك، وهي قرية قريب من خيبر بينها وبين المدينة ست ليال. (وفاء الوفا، ج ٢، ص ٣٥٥) .
[ (٢) ] خلها عليه: أى جمع بين طرفيها بخلال من عود أو حديد. (النهاية، ج ١، ص ٣١٨) .
[ (٣) ] تأمر عليهم: تسلط. (الصحاح، ص ٥٨٢) .
[ (٤) ] فى الأصل: «فأرجاهم» .
[ (٥) ] الناتئ: المرتفع المنتفخ. والعضل: جمع عضلة، وهي القطعة من اللحم الشديدة. (شرح أبى ذر، ص ٤٥٤) .