للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأولُ فالقائلُ بهِ جمهورُ النّاسِ وهوَ الصحيحُ الذي لا يعدلُ عنهُ، فلا يصلحُ التعبير في جانبِهِ بـ ((زعمَ)) عَلَى مَا تعورفَ، ويكونُ مرادُ ابنُ خلاّدٍ التشنيع عليهِ بأنَّ مرادَهُ إسقاطُ خبرِ الواحدِ، فإنّه إذا فضّلَ النّزولَ أبطلَ الرحلةَ، ومتى بطلتِ الرحلةُ، قلَّتِ الرغبةُ في الخبرِ وسقطَ كثيرٌ منهُ وضعفَ أمرهُ فآلَ ذلكَ إلى عدمهِ، وعدمِ التعويلِ عليهِ.

ويدلُّ على هذا أنهُ قالَ عقبهُ: ((وفي الاقتصارِ على التنزيلِ [في الإسنادِ] (١) إبطالُ الرحلةِ))، قالَ: ((وقالَ بعضُ متأخري الفقهاءِ يذمُّ أهلَ الرحلةِ)) فذكرَ ما حاصلُهُ: إنَّهم بغوا على غيرهِم فبدَّعوهُم، ونسبوهُم إلى الرأيِ، وجعلوا الرأيَ في الدورانِ فضيعوا ما وجبَ عليهم من حق مَن يلزمهم حقُّهُ، وحرموا أنفسهُم الراحةَ فحُرِموا لذةَ الدنيا واستوجَبُوا العقابَ / ٢٥٥ ب / في الآخرَة (٢) لخبرٍ لا يفيدُ طائلاً، وأثرٍ لا يورثُ نفعاً، وذكرَ أنّ بعضَ المحدثينَ عارضَهُ بأنَّه من قومٍ صعبَ عليهم اختيارُ الأحاديثِ ونقدُ الرجالِ، فاستلذوا الراحةَ، وعادَوْا ما جهلوا، واقتصروا على المباهاةِ بالملابسِ، ولزومِ أبوابِ الرؤساءِ والخدمةِ للأغتام (٣)، وصيدِ الأموالِ، واقتصُروا على الأخذِ من الصحفِ وإن كانتْ مضادةً للسننِ، ولو عرفَ لذةَ الراحلِ وما يحصلُ لهُ منَ النَّشاطِ عندَ جوبِ الأقطارِ، والاطلاعِ على الأمصارِ، وخلطةِ المخالفينَ في اللسانِ والأخلاقِ والألوانِ في ذاتِ اللهِ، وكنهَ ما يصلُ إليهِ عندَ ظفرهِ ببغيتهِ من ضبطِ الشريعةِ وجمعها، واستنباطِها من معادنِها التي أوجبتْ لهذا الطاعنِ التصدُّرَ إلى السواري وعقدَ المجالسِ للفتيا، لعلمَ أنَّهُ أعظمُ لذاتِ الدنيا، ثمَّ وصفهم بأنَّ الله حفظَ بهم القرآنَ الذي ضمنَ حفظَهُ فقالَ: ((ووكلَ بالآثارِ المفسِّرةِ للقرآنِ


(١) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المحدّث الفاصل ".
(٢) في (ف): ((الأخرى))، والمثبت من " المحدّث الفاصل ".
(٣) من الغتمة: العجمة، والأغْتَمُ: الذي لا يفصح شيئاً. الصحاح مادة (غتم).

<<  <  ج: ص:  >  >>