للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسننِ القويةِ الأركانِ: عِصابةً منتخبةً، وفقهم لطِلاَبِها وكِتابِها، وقوَّاهم على رعايتِها وحراستِها، وحببَ إليهمْ قراءتَها ودراستَها، وهوّنَ عليهم الدأبَ والكلالَ، والحلَ والترحالَ، وبذلَ النفوسِ والأموالِ، وركوب المخوفِ منَ الأهوالِ، فهم يرحلونَ من بلادٍ إلى بلادٍ، خائضينَ منَ العلمِ في كلِّ وادٍ، شُعثَ الرؤوسِ، خلقانَ الثيابِ، خُمْصَ البُطونِ، ذُبْلَ الشفاهِ، شحبَ الألوانِ، نُحُلَ الأبدانِ، قد جعلوا الهمَّ همَّاً واحداً، ورضوا بالعلمِ دليلاً ورائداً، لا يقطعهم عنهُ جوعٌ ولا ظمأٌ، ولا يُمِلُّهمْ منهُ صيفٌ ولا شتاءٌ، مائزينَ الأثرَ: صحيحَهُ من سقيمِهِ، وقويَّهِ من ضعيفِهِ، بألبابٍ حازمةٍ، وآراءٍ ثاقبةٍ، وقلوبٍ للحقِّ واعيةٍ، فأمنت تمويهَ المموهينَ، واختراعَ الملحدينَ، وافتراءَ الكاذبينَ، فلو رأيتهم في ليلهم وقد انتصبوا لنسخِ ما سمعُوا، وتصحيحِ ما جمعوا، هاجرين لِلفَرشِ الوطيّ، والمضجعِ الشهيِّ، قد غشيهُم النُّعاسُ فأنامهم، وأسقطَ من أكفهم أقلامَهم، فانتبهوا مذعورينَ، قد أوجع الكدُّ أصلابهم، وتيِّه الكلالُ ألبابهم، فتمطوا ليريحوا الأبدانَ، وتحولوا ليفقدوا النومَ من مكانٍ إلى مكانٍ، ودلَّكوا بأيديهم عيونهم، ثمَّ عادوا إلى الكتابةِ حرصَاً عليها / ٢٥٦ أ /، وميلاً بقلوبِهم إليها، لعلمتَ أنَّهم حرسُ الإسلامِ، وخُزّانِ الملكِ العلامِ، فإذا قضوا من بعضِ ما راموا أوطارهم، انصرفوا قاصدينَ ديارهم، فَلزموا المساجِدَ، وعمَّرُوا المشاهدَ، لابسين ثوبَ الخضوعِ، مسالمينَ ومسلمينَ، يمشونَ على الأرضِ هوناً، لا يؤذونَ جَاراً، ولا يقارفونَ عَاراً حتى إذا زاغَ زائغٌ، أو مرقَ في الدينِ مارقٌ، خرجوا خروجَ الأُسْدِ من الآجامِ، يناضلونَ عن معالمِ الإسلامِ. في كلامٍ غيرِ هذا يطولُ (١).

وقالَ بعضُ الشعراءِ (٢) المحدّثِين:


(١) المحدث الفاصل: ٢١٧ - ٢٢١ باختصار وتصرف.
(٢) الأبيات للسّري الرّفاء ت (٣٦٦ هـ‍) وهي على بحر الكامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>