للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نبّهَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا بتفصيلٍ حسنٍ، وهو: أنَّكَ إذا كنتَ في مقامِ الروايةِ، فلكَ أنْ تقولَ: أخرجهُ البخاريُّ مثلاً، ولو كانَ مخالفاً، فإنَّهُ قد عرفَ أَنَّ جلَّ قصدِ المحدِّث السندُ، والعثورُ على أصلِ الحديثِ دونَ ما إذا كنتَ في مقامِ الاحتجاجِ، فمنْ روى في المعاجمِ، والمشيخات، ونحوها فلا حرجَ عليهِ في الإطلاق، بخلافِ مَنْ أوردَ ذلكَ في الكتبِ المبوبةِ، لا سيَّما إنْ كانَ الصالحُ للترجمةِ قطعةً زائدةً على ما في الصحيحِ. وهذا نظرٌ بديعٌ، فما أحسنَ فهمَ الأشياءِ بحسبِ الإيماءِ إلى المقاصدِ! رحمَ اللهُ ابنَ حبانَ! حيثُ نظرَ مثلَ هذا النظرِ وفصَّلَ كهذا التفصيلِ، / ٣٦ أ / وإنْ لم يكنْ في هذا المهيعِ، فقالَ في الترجيح: ((إنَّ المخالفةَ بينَ الروايتينِ (١)، إنْ كانتْ في السندِ رجَّحنا قولَ المحدِّث على قولِ الفقيهِ؛ لأنَّهُ بالسندِ أقعدُ، وإنْ كانت في المتنِ فبالعكسِ؛ لأنَّ الفقيهَ أكثرُ عنايةً بالمتنِ؛ ولهذا ربما ذكرَ المحدِّثُ بعدَ السندِ طرفاً يسيراً منَ المتنِ (٢)، ثمَّ قالَ: الحديثَ، والفقيهُ ربما حذفَ السندَ)) (٣).

قلتُ: فإذا كانَ الذي دلَّ على الحكمِ إنما هو قطعةٌ مِنَ الحديثِ، ليسَ في ألفاظِها تخالفٌ في واحدٍ مِنَ الكتابينِ، فإنْ ذكرت تلكَ القطعةَ فقطْ (٤)، فلا شكَّ في حسنِ العزوِ، وإنْ ذكرَ جميعَ الحديثَ، فينبغي أيضاً أن يسوغَ العزو، كما لو لم يقعْ في شيءٍ مِنَ الحديثِ، ولو وقعَ التخالفُ في بقيتهِ؛ لأنَّ المقصودَ بالذاتِ في ذلكَ المقامِ إنما هو القطعةُ التي سيقَ الحديثُ للاحتجاجِ بها.


(١) في (ف): ((الراوين)).
(٢) لم ترد في (ك).
(٣) ذكر ابن حبان ما يؤيد هذا الكلام في معرض كلامه عن زيادات الألفاظ والأسانيد في مقدمة صحيحه ١/ ١٥٩.
(٤) لم ترد في (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>