للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} (١) وَمَن كذَّبَ بحرفٍ مِن القُرآنِ فَقد كفرَ.

وأيضاً: فَقد أخبرَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم: ((لَيسُوا بشيءٍ))، وأنَّهم كَذَبَةٌ، فَمن صَدَّقهُم فَقد كفرَ بتكذيبهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومن أتى السَاحِرَ مُصدِّقاً بِسحرهِ، أي: مؤمناً بأنَّهُ حَقٌّ، أو أنَّهُ يؤثرُ بطبعهِ، فَقد كَذبَ بقولِهِ تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ .. } الآية كلها (٢) ثُمَّ إنَّ القولَ السَديدَ في أصلِ المسألةِ: أنَّ ما يأتي عن الصَحابةِ مِمّا لا مجالَ للرأي فيهِ، إنْ كانَ حُكماً مِنَ الأحكامِ فهوَ مرفوعٌ؛ لأنَّ الأحكامَ لا تؤخذُ إلا بالاجتهادِ، أو بقولِ مَن لهُ الشرعُ، وقد فَرضنا أنَّهُ ممَّا لا يُجتهدُ فيهِ، فانحصر في أنَّهُ مِن قولهِ - صلى الله عليه وسلم -.

وإنْ لم يَكنْ مِن الأحكامِ، فَإنْ كانَ ذلِكَ الصَحابي لم يأخذ عنِ الإسرائيلياتِ فكذلك؛ لأنَّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ، لا بدَّ للصحابي فيهِ مِن مُوقِّفٍ، فيكونُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ / ١٠٨ ب / المسألةُ مفروضةٌ فيمَن لم يأخذ عن أهلِ الكِتابِ، وإلا فموقوفٌ؛ لاحتمال أنْ يكونَ سَمعهُ مِن أهلِ الكتابِ، وما يَرِد عن أهلِ الكتابِ ينحصِرُ في ثلاثةِ أقسامِ:

أنْ يكونَ شرعُنا قَد جَاءَ بتصديقهِ، فالعمل بشَرعِنا حينئذٍ، أو بتكذيبهِ، فلا يَحلُّ نقلهُ مَسكوتاً عنهُ، أو يكونَ شَرعُنا سَاكتاً عنهُ، فهذا هوَ الذِي نقلهُ بعضُ الصَحابةِ عن أهلِ الكِتابِ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ صِدقاً، وَيحتملُ أيضاً أنْ يكونَ قَد بدّلَ، فيكذبُ.

ففِي البخارِي: عَن معاويةَ - رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ: ((أصدقُ هؤلاءِ الذينَ يحدثونَنا عَن أهلِ الكتابِ كَعبٌ (٣)، ومعَ ذلِكَ فإنا لَنبلوا عَليهِ الكذب)) (٤).


(١) النمل: ٦٥.
(٢) البقرة: ١٠٢.
(٣) يعني: كعب الأحبار.
(٤) صحيح البخاري ٩/ ١٣٦ (٧٣٦١) معلقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>