للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قولهُ: (ودونهُ التدليسُ للشيوخِ) (١) إنْ قيلَ: ليسَ كذلكَ؛ فإنَّ تدليسَ الإسنادِ فيهِ محذورٌ واحدٌ، وَهوَ أنْ يكونَ الساقطُ ضعيفاً، وبقيةُ الإسنادِ ثقاتٌ، فيتسببُ إلى قبولِ ما لَم يصحَّ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هَذا محذورانِ:

أحدهما: أنْ يصفَ ضعيفاً بغير ما يشتهرُ بهِ، مما لعلهُ يشتركُ (٢) بهِ بعضُ من يكونُ في تلكَ الطبقةِ منَ الثقاتِ، فإذا نظرَ الناظرُ ظنَّهُ ذلِكَ الثقةَ فقَبِلَ الحديثَ.

الثاني: أنْ يكونَ ثقةً، فيصفهُ بما لا يعرفُ بهِ، فيصيرُ مجهولاً فيطرحُ ذلكَ المروي، فيكونُ سبباً في تركِ حكمٍ منَ الأحكامِ، وقد حضَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - / ١٤٢ ب / على التبليغِ، وتوعدَ على الكتمانِ، وهذا في حكمِ مَن كَتمَ، فغايةُ المحذورِ في تدليسِ الإسنادِ أنْ يوازيَ هذينِ المحذورينِ، فيكونانِ سواءً. قيلَ: الحقُّ أن الأولَ أشدُّ، فإنَّ هَذا يعرفهُ الماهرُ مِن أهل الصنعةِ، وذاكَ لا يطّلعُ عليهِ إلاّ مَن قَبِلَهُ، إمَّا باعترافهِ بأنَّهُ لَم يسمعْ هَذا الحديثَ مِن ذلِكَ الشيخِ، أو بأنْ يرويَهُ مرةً أخرى فيدخلَ بينهُ وبينهُ راوياً، وينضمُّ إلى ذلِكَ مِن القرائنِ ما يعرفُ بهِ أنه لَم يسمعهُ مِن شيخهِ الذِي رواهُ عنهُ أولاً باللفظِ المحتملِ إلا بواسطةٍ.

قولُهُ: (قالَ ابنُ الصلاحِ: أمرهُ أخفُّ منهُ) (٣) لو قالَ: الأولُ أشدُّ مِن هَذا لكانَ أولَى؛ لأنهُ ليسَ في واحدٍ منهما خفةٌ، لكن تارةً يطلقونَ ((أفعلَ)) ولا يريدونَ معناها حقيقةً، إنما يجعلونَ ذلِكَ على سبيلِ الفرضِ، كحديثِ: ((لكانَ أنْ يُلقَى في النارِ أحبّ إليهِ مِن أن يعودَ في الكفرِ)) (٤)، وليسَ في الإلقاءِ في النارِ شيءٌ مِن


(١) التبصرة والتذكرة (١٥٧).
(٢) في (ف): ((يشارك)).
(٣) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٤٠، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: ١٦٦.
(٤) وَهوَ جزء مِن حديث أنس بنِ مالك - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ من كن فيهِ وجدَ طعمَ الإيمانِ: منْ كانَ يحبُّ المرءَ لا يحبهُ إلاّ للهِ، ومن كانَ الله تباركَ وتعالى ورسولهُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>