للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالَ السهيليُّ: ((وكذلكَ العالِمُ إذا ناولَ التِّلميذَ كتاباً جازَ لهُ أنْ يرويَ عنه ما فيه، وهو فقهٌ صحيحٌ، غيرَ أنَّ الناسَ جعلوا المناولةَ اليومَ على غيرِ هذهِ الصورةِ، يأتي الطالبُ الشيخَ فيقولُ: ناولني كتبَكَ فيناولهُ، ثم يمسكُ متاعَهُ عندَهُ، ثم / ٢٦٢ أ / ينصرفُ الطالبُ، فيقولُ: حدَّثني فلانٌ مناولةً، وهذه روايةٌ لا تصحُّ على هذا الوجهِ حتى يذهبَ بالكتابِ معهُ، وقد أذنَ له أنْ يُحدِّثَ عنه بما فيه، وممنْ قالَ بصحةِ المناولةِ على الوجهِ الذي ذكرناهُ: مالكُ بنُ أنسٍ، رَوَى إسماعيلُ بنُ صالحٍ عنهُ أنَّه أخرجَ لهم كتباً مشدودةً، فقالَ: هذه كُتبي صححتُها ورويتُها فارووها عني، فقالَ له إسماعيلُ بنُ صالحٍ: فنقول: حَدَّثنا مالكٌ، قالَ: نَعَم، ورَوَى قصةَ إسماعيلَ هذه الدارقطنيُّ في كتابِ " رواةِ مالكٍ ")) (١). انتهى.

وقد استدلَّ كما ترى بما لا يَنهضُ بما قالَهُ؛ فإنَّ القصةَ ليس فيها أنَّ مالكاً مَلَّكها لهم، وعلى تقديرِ ذلك فالمأذونُ له جماعةٌ، وليسَ في القصةِ أنَّه فَرَّقها عليهم، وعلى تقديرِ ذلك فلمْ يَخصَّ كلاً بما أعطاهُ له، بل أَذِنَ للكلِّ في روايةِ الكلِّ (٢)، فإمَّا أنْ تكونَ عندَ بعضِهم فيرويَ منها ما أحبَّ، وإذا أرادَ غيرُهُ الروايةَ أتى إليهِ فأخرجَها لهُ فكتبَ منها ما أرادَ ورواهُ، وإمَّا أن يَكونَ عندَ كلِّ واحدٍ منها شيءٌ فيرويَهُ، وإذا أرادَ روايةَ غيرِهِ ذهبَ إلى مَنْ هو عندَهُ فكَتَبهُ أو حَفظَهُ ورواهُ، وهذا هو الذي يقولهُ مَنْ يرى المناولةَ على الوجهِ الذي أنكرهُ السهيليُّ مِن أنَّه إذا أرادَ الروايةَ جاءَ إلى الشيخِ فأخذَ كتابَهُ فنقلَ منه وَرَوَى، أو أخذَ فَرْعاً له موثوقاً به، فرَوَى منه، والله الموفقُ.

قولهُ: (عَرضاً) (٣) يجوزُ أنْ يكونَ مفعولاً له، أي: /٢٦٢ب/ يحضرُ به للشيخِ؛ لأجلِ عرضِهِ على الشيخِ بمعنى: أنَّ الشيخَ يتصفحُهُ وينظرُهُ؛ ليعلمَ هل هو


(١) الروض الأنف ٥/ ٧٨ - ٧٩.
(٢) عبارة: ((في رواية الكل)) لم ترد في (ف).
(٣) التبصرة والتذكرة (٥٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>