للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إذا رَوَى الراوي بالمعنَى، فالمُستحبُّ له استحباباً مُتأكداً، أنْ يقولَ بعدَ ذكرِهِ لما ذَكَرَهُ بالمعنى: أو ((كما قالَ))، أو ((نحو ذلكَ)) كأنْ يقولَ: ((هذا معنى ما قالَ)) أو ((قَربتُ منهُ)) أو ((شبهُهُ)) أو ((نحوُهُ)) (١).

وهكذا يصنعُ عندَ شكٍّ أَبهمَ عليهِ في لفظينِ، أو جملتينِ، أو غيرِ ذلكَ، فلم يدرِ بأيِّهمَا نَطَقَ مَن حدَّثَهُ، وهذا الذي قررتُهُ في العطفِ، هو مرادُ الشَّيخِ بقولهِ:

((إنَّ الواو للاستئنافِ)) (٢)، أي: لابتداءِ ذكرِ جملةٍ، ولا يهولنّكَ قولُهُ: ((ليستْ للعطفِ)) (٣) فإنَّ المرادَ نفيُ عطفٍ مقيدٍ بالمفردِ؛ ليكونَ ما قبلها وما بعدها جملةً واحدةً، وإنْ لم يحملْ على هذا كانَ المعنى أنَّ الواوَ لا فائدةَ لها أصلاً بلْ وجودها كعدمِها، وهذا لا يقولُ بهِ مَن له مُسْكَةٌ (٤)، فإيّاكَ أن تَجنحَ إليه، فإنَّ كثيراً من الناسِ يجترئُ على مثلهِ من كتابِ اللهِ تعالى فيما يُشكلُ عليه تنزيلُه / ٢١٢ أ / على معنىً مستقيمٍ؛ لعدمِ معرفتهِ المعطوف عليهِ، لضيقِ الحظيرةِ عن إيساعِ الفكرِ والإمعانِ في النظر، فيقعُ في أمرٍ عظيمٍ، لو تدبَّرهُ لتمنّى أن يكونَ خَرِسَ قبلَ أن يقولَ ما قالَ من ذلكَ المحالِ، واللهُ الهادي.

على أنَّ الشيخَ لو قالَ: ((مدلولها، وقد أجازَ المعظمُ للغيرِ بالمعنى)) لاستراحَ من هذا.

قولهُ: (لا يجوزُ لمنْ لا يعلمُ) (٥) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ (٦): ((إذا أرادَ روايةَ ما


(١) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: ٣٢٣، والإرشاد ١/ ٤٦٧، وفتح المغيث ٢/ ٢١٦.
(٢) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥٠٧.
(٣) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥٠٧.
(٤) مُسكة: بالضم، أي: بقية، يقال: فيه مُسكة من خير، أي: بقية، وفيه مسكة عقل، أو علم، أي: بقية. انظر: الصحاح مادة (مسك)، ولسان العرب مادة (مسك).
(٥) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥٠٦.
(٦) معرفة أنواع علم الحديث: ٣٢٢، وتتمة كلام ابن الصلاح: ((وأصحاب الحديث وأرباب الفقه وأصوله)). وانظر: نكت الزركشي ٣/ ٦٠٧ - ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>