من أن يكونَ لي مثل حُمرِ النَّعم)) هذا الذي في الأطعمةِ، وإرادة البخاريِّ لهُ بالنصفِ الذي فاتهُ من أبي نُعيم من الحديثِ الذي ذكرهُ في الرقاقِ في غايةِ البعدِ؛ لأنّهُ مغايرٌ لحديثِ أبي نُعيمٍ في السندِ واللفظِ والمعنَى (١).
أمَّا السَّندُ: فليسَ دونَ أبي هريرةَ أحدٌ من سَندِ حديثِ الرقاقِ لا أبو نعيمٍ ولا من فَوقهُ.
وأمَّا اللفظُ والمعنى: فإنَّهُ ليسَ فيهِ شيءٌ بلفظ من ذلكَ الحديثِ على سياقِهِ ولا بمعناهُ المساوي لألفاظهِ ليكونَ منَ الروايةِ بالمعنى عندَ من أجازَهَا؛ لأنَّ لفظَ الذي عينه /٢٢٨ب/ بالإشارةِ في الرقاقِ: ((آللهُ الذي لا إله إلا هوَ، إن كُنتُ لأعتمدُ بكبدي على الأرضِ من الجوعِ، وإنْ كنتُ لأشدُّ الحجرَ على بطني من الجوعِ، ولقد قعدتُ يوماً على طريقهم الذي يخرجونَ منهُ، فمرّ أبو بَكرٍ - رضي الله عنه - فسألتُهُ عن آيةٍ من كتابِ اللهِ ما سألتُهُ إلا ليُشبِعَني فمرَّ فلم يفعلْ، ثم مرَّ بي عُمرُ - رضي الله عنه - فسألتهُ عن آيةٍ من كتابِ اللهِ، ما سألتُهُ إلا ليشبِعَني فمرَّ فلم يفعلْ، ثمَّ مرَّ بي أبو القاسمِ - صلى الله عليه وسلم - فتبسمَ حينَ رآني وعَرفَ ما في نفسي وما في وَجهي، ثمَّ قالَ: أبا هرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: الحقْ، ومضى. فاتبعتهُ فدخلَ فاستأذنَ فَأَذِنَ لي، فدخَلَ فوجدَ لبناً في قدحٍ فقالَ: من أينَ هذا اللبنُ؟ قالوا: أهداهُ لكَ فلانٌ (أو فُلانة (قالَ: أبا هِرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: الحقَ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادعُهم لي. قالَ: وأهل الصُّفَّة أضيافُ الإسلامِ، لا يأوونَ على أهلٍ ولا مالٍ ولا عَلَى أحدٍ، إذا أتتْهُ صدقةٌ بَعثَ بها إليهم ولم يتناولْ منها شَيئاً، وإذا أتتْهُ هَديةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشركَهُم فيها، فساءَني ذلكَ، فقلتُ: وما هذا اللبنُ في أهلِ الصُّفَّةِ؟ كنتُ أحقَّ أن أصيبَ من هذا اللبنِ شربةً أتقوَّى بها، فإذا جاءَ أمرني فكنتُ أنا أعطِيهِم، ومَا عسى أن يَبلُغَني من هذا اللبنِ، ولم يكنْ من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولهِ بُدٌّ، فأتيتُهم
(١) وسبقه إلى هذا المعنى شيخه ابن حجر في " فتح الباري " ١١/ ٣٤٢.