للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدعوتُهم، فأقبلوا فاستأذنوا فَأَذِنَ لهم وأخذوا مجالِسَهُم من البيتِ. قالَ: يا أبا هرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: خذ فاعطهم، فأخذتُ القدحَ فجعلتُ أعطيهِ الرجلَ فيشربُ حتى يَروَى، ثم يردُّ عليَّ القدَحَ فأعطيهِ الرجلَ فيشربُ حتى يَروَى، ثم يرد عليَّ القدَحَ حتى انتهيتُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد رَوَى القومُ كُلّهم، فأخذَ القدَحَ فوضعَهُ على يدِهِ، فنظرَ إليَّ فتبسمَ فقالَ: أبا هِرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: بقيتُ أنا وأنتَ، قلتُ: صدقتَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: اقعدْ فاشربْ، فقعدتُ فشربتُ، فقالَ: اشربْ، فشربتُ فما زال يقولُ: اشربْ، حتى قلتُ: لا والذي بعثكَ بالحقِّ، لا أجدُ لهُ / ٢٢٩ أ / مسلكاً. قالَ: فأرني، فأعطيتهُ القدَحَ، فحمدَ اللهَ وسَمَّى وشربَ الفضلَةَ)) هذا آخرُ الحديثِ.

وإذ قد عرفتَ لفظَهُ عرفتَ أمرينِ:

أحدهما: أنَّ الذي في الأطعمةِ ليسَ بلفظِ نحو نصفهِ ولا بمعناهُ المساوِي لألفاظهِ، فانتفى أنْ يكونَ شيءٌ منهُ متصلاً بسندِ ما ذكرَهُ في الأطعمةِ.

ثانيهما: أنَّ الذي ذُكِرَ في الاستئذانِ نحو نصفهِ من جهةِ المعنى لا من جهةِ اللفظِ؛ لأنَّ معناهُ ما كانَ حصلَ لأبي هريرة - رضي الله عنه - من الجهدِ بالجوعِ، ثم ما حَصَلَ لهُ بواسطةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من البركةِ والشبعِ، وهوَ مُوَفٍّ بقريبٍ منَ النصفِ الثاني، مع أنّهُ لم يخرجْ عن لفظهِ، ومن هذا تعلمُ أنَّ تكررَ إسنادهِ لا كلامَ فيهِ، وأمّا كونُ النصفِ الآخرِ غيرَ متّصلٍ بالسماعِ فصحيحٌ، ويحتملُ كما قالَ الشَّيخُ: أنْ يكونَ البخاريُّ حَمَلَهُ عن أبي نعيمٍ إجازةً وَوجادةً، وجوَّزَ شيخُنا (١) مع ذلكَ أنْ يكونَ سَمعَ بقيةَ الحديثِ من شيخٍ سمعهُ من أبي نُعيمٍ، وقالَ إنّهُ أوردَهُ في كتابهِ " تَغليقِ التَّعليقِ " (٢)


(١) انظر: فتح الباري ١١/ ٣٤٢.
(٢) ٥/ ١٦٩ (٦٤٥٢)، وقال ابن حجر عقبه: ((هذا الحديث ليس من شرطنا؛ وإنما أوردته لأن النصف الذي لم يسمعه البخاري من أبي نعيم شبه المعلق)).

<<  <  ج: ص:  >  >>