للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْنَا المُرَاد بِتِلْكَ أَنَّهُمَا كالأخوة فِي الْحجب وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَن أحدا لَا يَقُول إِن لفظ التَّثْنِيَة يتَنَاوَل الْجمع حَقِيقَة وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي لفظ الْجمع هَل يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ حَقِيقَة

وَأَيْضًا هُوَ أَن أهل اللُّغَة فرقوا بَين الْوَاحِد والاثنين وَالْجمع فَقَالُوا رجل ورجلان وَرِجَال وَلَو كَانَ الِاثْنَان جمعا لَكَانَ لفظ التَّثْنِيَة مُسَاوِيا لما زَاد عَلَيْهِ كَمَا كَانَ لفظ الثَّلَاثَة مُسَاوِيا لما زَاد عَلَيْهِ

فَإِن قيل لَا يمْتَنع أَن يكون للتثنية أَسمَاء تخصها وَيكون اسْم الْجمع أَيْضا متناولا لَهَا كالأسد لَهُ اسْم يَخُصُّهُ وَمَعَ ذَلِك اسْم السَّبع حَقِيقَة فِيهِ

قيل السَّبع والأسد لم يوضع للتمييز بَين شَيْئَيْنِ وَإِنَّمَا جعل أَحدهمَا اسْما للْجِنْس وَالْآخر اسْما للنوع وَلَيْسَ كَذَلِك لفظ التَّثْنِيَة وَالْجمع فَإِنَّهُمَا وضعا لنوعين مُخْتَلفين من الْعدَد على وَجه التَّمْيِيز بَينهمَا فَدلَّ على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يخْتَص بِمَا يُمَيّز بِهِ كالأسد وَالْحمار لما وضع لجنسين من الْحَيَوَان كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْما لما وضع لَهُ خَاصَّة

وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْم الْجمع حَقِيقَة فِي الِاثْنَيْنِ لَكَانَ لَا يَصح نَفْيه لِأَن الْحَقَائِق لَا يَصح نَفيهَا عَن مسمياتها وَلما جَازَ أَن يَقُول مَا رَأَيْت رجَالًا وَإِنَّمَا رَأَيْت رجلَيْنِ دلّ على أَن حَقِيقَته مَا ذَكرْنَاهُ

وَلِأَنَّهُ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ دَرَاهِم لزمَه ثَلَاثَة وَلَو كَانَ أقل الْجمع اثْنَيْنِ لما لزمَه أَكثر من اثْنَيْنِ

وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} فَرد الْكِنَايَة إِلَى الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْجمع وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزعَ مِنْهُم قَالُوا لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض} فَاسْتعْمل فِي الِاثْنَيْنِ لفظ الْجمع

<<  <   >  >>