لنا قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فَجعل وجود الِاخْتِلَاف دَلِيلا على أَنه لَيْسَ من عِنْد الله وَإِذا وجدت الْعلَّة من غير حكم فقد وجد الِاخْتِلَاف فَدلَّ على أَنه لَيْسَ من عِنْد الله
فَإِن قيل الْعِلَل الْعَقْلِيَّة توجب الحكم بِنَفسِهَا فَلم يجز وجودهَا غير مُوجبَة للْحكم وَعلل الشَّرْع غير مُوجبَة للْحكم بِنَفسِهَا أَلا ترى أَنَّهَا مَوْجُودَة قبل الشَّرْع غير مُوجبَة للْحكم وَإِنَّمَا صَارَت بِالشَّرْعِ عللا فَجَاز أَن توجب فِي مَوضِع دون مَوضِع
قُلْنَا هِيَ وَإِن صَارَت عللا بِالشَّرْعِ إِلَّا أَنَّهَا قد صَارَت عللا بِمَنْزِلَة الْعَقْلِيَّة فِي إِيجَاب الحكم بوجودها فَوَجَبَ أَن تكون بمنزلتها فِي ان تخصيصها يُوجب فَسَادهَا
وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ وجود الْعلَّة من غير حكم لَكَانَ تعلق الحكم فِي الْعلَّة فِي الأَصْل لَا يُوجب تعلقه بهَا فِي الْفَرْع إِلَّا بِدَلِيل مُسْتَأْنف يدل على تعلقه بهَا لِأَنَّهُ مَا من فرع نُرِيد أَن نثبت فِيهِ حكم الْعلَّة إِلَّا وَيجوز أَن يكون مَخْصُوصًا وَإِذا افْتقر ذَلِك إِلَى دَلِيل خرج عَن أَن يكون عِلّة
وَلِأَن وجود التَّخْصِيص فِي الْعلَّة يدل على أَن الْمُسْتَدلّ لما لم يذكر الدّلَالَة على الصّفة تعلق الحكم بهَا فِي الشَّرْع وَمَتى لم يذكر الدّلَالَة على الْوَجْه الَّذِي علق الحكم