وَلِأَن الْقيَاس استنباط معنى الأَصْل ورد الْفَرْع إِلَيْهِ وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام أعلم بذلك من غَيره فَهُوَ أولى
وَلِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ الْآيَة وَعرف مِنْهَا الحكم وَعلة الحكم لم يخل أما إِنَّه يعْتَقد مَا تَقْتَضِيه الْعلَّة أَو لَا يعْتَقد ذَلِك
فَإِن اعْتقد ذَلِك فَهُوَ عمل بِالِاجْتِهَادِ وَصَارَ إِلَى مَا قُلْنَاهُ
وَإِن لم يعْتَقد صَار مخطئا وَذَلِكَ منفي عَنهُ
وَلِأَن الِاجْتِهَاد مَوضِع لرفع الْمنَازل وَالزِّيَادَة فِي الدَّرَجَات وأحق النَّاس بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَبَ أَن يكون لَهُ مدْخل فِيهِ
وَالْجَوَاب أَن الحكم بِالِاجْتِهَادِ حكم عَن وَحي وَلَيْسَ عَن الْهوى لِأَن الْهوى مَا تهواه النَّفس وتشتهيه من غير دَلِيل فقد قُلْنَا بِمُوجب الْآيَة
قَالُوا الِاجْتِهَاد طَرِيقه الظَّن وَهُوَ قَادر على إِظْهَار الحكم على جِهَة الْعلم وَالْوَحي فَلَا يجوز أَن يصير إِلَى الظَّن وَلِهَذَا لَا يجوز فِي طلب الْقبْلَة لمن عاينها حَيْثُ قدر على الْإِدْرَاك من جِهَة الْعلم
وعَلى أَن اجْتِهَاده عَلَيْهِ السَّلَام مَقْطُوع بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مَعْصُوم من الْخَطَأ فِي الْأَحْكَام فَلَا يكون حكمه بِالِاجْتِهَادِ غَلَبَة ظن بل هُوَ حكم عَن علم وَقطع
قَالُوا وَلِأَن من خَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حكمه صَار كَافِرًا فَلَو جَوَّزنَا لَهُ أَن يحكم بِالِاجْتِهَادِ لم يُمكن تَكْفِير من خَالفه فِيهِ لِأَن الِاجْتِهَاد طَرِيقه الظَّن فَلَا يجوز أَن يكفر من خَالفه فِيهِ وَلِهَذَا لما نزل بِاجْتِهَادِهِ فِي بعض الْمنَازل خَالفه بعض