يبقى أنه إذا كان النص يدل على الكراهة لا على التحريم، النص ولو كان قطعي الدلالة قطعي الثبوت لكنه يدل على كراهة، لا يدل على تحريم، أهل العلم يقولون: أن الأصل فيه أنه تحريم؛ لأنه نهي، ويوجد صارف يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، فمثلاً النهي عن الشرب قائماً ((من شرب قائماً فليقئ)) يعني هذه أمرٌ شديد، يعني لو لم يرد في الباب إلا مثل هذه النصوص لقلنا: أن الشرب قائماً محرم، لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب من زمزم قائماً، وشرب من شن معلق قائماً، المقصود أنه ثبت ما يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة، لو قال أحد: حلال يجوز الشرب قائماً، والنصوص صحيحة في المنع منه، بل الأمر بالقيء لمن شرب قائماً ثابت، هذا ينتابه وجهات النظر؛ لأن أهل العلم يقولون: شربه -عليه الصلاة والسلام- قائماً دليلٌ على الجواز، والجواز لا ينافي الكراهة؛ لأنه لا يعاقب على فعله، فإذا قال: أحدٌ إن الشرب قائماً جائز ولو كان النص صحيح وصريح في الدلالة لكن لوجود المعارض الذي به صرف من التحريم إلى الكراهة جعل في الأمر شيئاً من السعة، بخلاف النهي ولو كان المنهي عنه ليس بكبيرة، لكن النهي لا صارف له من جهة، ودلالته قطعية وثبوته قطعي، هذا الأمرٌ خطير.