هؤلاء:"ومنهم من فصل بين ما يكون التأويل قريباً تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً"؛ لأن بعض التأويل يعني:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [(١٦٤) سورة النساء] فالتكليم مصدر كلَّم والمصدر ينفي المجاز عند أهل العلم، لكن تأويل التكليم عند بعضهم قالوا: كلَّمه يعني جرحه ((ما من مكلوم يُكلَم في سبيل الله)) يعني: يجرح في سبيل الله، فكلَّمه جرحه، قالوا: بأظافير الحكمة، لكن هل مثل هذا سائغ أو قريب؟ أبداً.
"وبين ما يكون بعيداًَ مهجوراً، فأول في بعض، وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد.
قال البيهقي -رحمه الله-: وأسلمها الإيمان بلا كيف، والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه".
يعني لا بد من دليل عن معصوم؛ لأن هذه أمور غيبية لا تدرك بالرأي، ولا تستنبط من خلال السياق، ولا يدل عليها ما قبلها ولا ما بعدها، هذه أمور توقيفية.
"ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذ التفويض أسلم".
أيش معنى التفويض؟ التفويض أن تثبت الكلمة ((ينزل ربنا)) وتقرأها وتتعامل معها كتعاملك مع اللفظ الأعجمي، تقر باللفظ أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالله -جل وعلا-، ولا تفهم أكثر من ذلك، هذا تفويض، يعني تقبل الخبر لكن لا تعرف معناه، فضلاً عن كيفيته، فالفرق بين التفويض وبين التسليم الذي هو مذهب أهل السنة أن مذهب أهل السنة يقرون بمعرفة المعنى، المعنى له دلالة لغوية وله دلالة شرعية، له حقيقة لغوية، وله حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة عرفية، فنفهم المعنى، لكن الكيفية التي حجبت عنا هذا الفرق وبين المفوضة، نعترف بأن له معنى، وندرك المعنى أيضاً استوى على صعد استقرَّ، لكن المفوضة يقولون: استوى، بس لا زيادة ولا نقصان، كأنك تنطق بكلام أعجمي، ما تفهم معناه، فهذا الفرق بين مذهب أهل السنة وبين المفوضة.
ولذا قال:"ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذٍ التفويض أسلم".
لا، مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب سلف هذه الأمة وخيارها أسلم وأعلم وأحكم.