يا إخوان: هذا كلام قد يقول قائل: كيف يصدر مثل هذا الكلام عن عاقل، هذه البدع تنشأ شيئاً فشيئاً، تبدأ بمخالفة يسيرة للوحيين، مخالفة يسيرة، ثم هذا المخالف يصر على هذه المخالفة، ثم يورد له من الأدلة ما لو كان متصفاً بالورع لرجع، ولكن تأخذه العزة بالإثم فيصر، ثم يُلزم بلوازم لكلامه، ثم يلتزم بهذه اللوازم، وإلا ابتداءً ما يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، هل يتصور أن الله -جل وعلا- نطق بهذا الكلام كله دفعةً واحدة، بسم الله الباء ليست قبل السين ولا السين قبل الباء، يعني دفعة واحدة، وجبريل هو الذي تولى، الملك الذي نزل به، هو الذي تولى الترتيب، يعني نظير قول الناس أو نظير ما هو الواقع، الحروف حروف المطابع يعني لما كانت المطابع حروف يعني رص، ما هي بكمبيوتر يمشي بطريقة الكترونية لا، الحروف كانت تأتي من رصاص حرف، حرف، هذا حرف يصلح في أول الكلمة ونفس الحرف إذا كان في وسطها، ونفس الحرف إذا كان في آخرها، تجمع الحروف حوالي مائة قطعة، إذا نظرنا إلى تغير صورة الحرف من كونه في أول الكلمة أو في أثنائها أو في آخرها، فيؤتى بها في كيس أو في علبة هذه الحروف دفعة واحدة تسلم لصاحب المطبعة من المصنع الذي يصنعها، ثم صاحب المطبعة يرتب هذه الحروف، يعني ما في هذا الكيس من هذه الحروف هل يستفاد منه؟ إذاً كلام الله -جل وعلا- لا يستفاد منه، إنما الكلام المفيد في ترتيب من رتب هذا الكلام، هذا غاية في الضلال، نسأل الله السلامة والعافية.
والقائلون بأنه بمشيئة ... في ذاته أيضاً فهم نوعانِ
إحداهما جعلته مبدوءاً به ... نوعاً حذارِ تسلسل الأعيانِ
فيسد ذاك عليهمُ في زعمهم ... إثبات خالق هذه الأكوانِ
يعني أن كلامه حادث، ويبدئه بمشيئة لكنه حادث؛ لئلا يلزم أن يورث قديم مع الله -جل وعلا-، فعلى هذا تتسلسل الحوادث في القدم، وهذا ممنوع، هذا قول الكرّامية.
والآخرون أولوا الحديث ... كأحمدٍ ومحمدٍ وأئمة الإيمانِ
قالوا بأن الله حقاً لم يزل ... متكلماً بمشيئة وبيانِ
إلى آخره ... ، ثم مذهب قول ابن حزم في القرآن، وهو كلام شنيعٌ قبيح:
وأتى ابن حزمٍ بعد ذاك فقال ... ما للناس قرآنٌ ولا اثنانِ