ومثلها قوله -جل وعلا-: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [(٣٥) سورة المطففين] , وهؤلاء هم الأبرار، وهم على الأرائك ينظرون، وحذف المفعول -مفعول ينظرون- للتعميم، فهم ينظرون كل ما يسرهم، ويغتبطون به، وأعظم ذلك رؤية الباري -جل وعلا-.
ثم قال:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(٢٦) سورة يونس] {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} أهل مرتبة الإحسان لهم الحسنى، التي هي الجنة {وَزِيَادَةٌ} وهي النظر إلى وجهه الكريم، كما جاء ذلك مفسراً من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فسَّر الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم. {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح حديث جبريل في جامع العلوم والحكم، يقول ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، قال: وهذا مناسبٌ لجعله جزاءً لأهل الإحسان؛ لأن الإحسان: هو أن يعبد المؤمن ربه -جل وعلا- في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بقلبه؛ لأن رؤيته بعين رأسه ممتنعة فما بقي إلا الرؤية القلبية، أن تعبد الله كأنك تراه، كأنه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاؤه ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة، والجزاء من جنس العمل، كما سيأتي في الحديث:((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)) أو ((الشمس صحواً ليس دونها سحاب)) , ثم بعد ذلك حث على صلاة الصبح وصلاة العصر؛ لأن الرؤية تحصل للمؤمنين في الجنة، لكن على مراتب، مراتب متفاوتة، منهم من تحصل له في أول النهار وفي آخره، ومنهم من تحصل له كل جمعة، فهم يتفاوتون في هذا حسب تفاوت أعمالهم، بتفاوت أعمالهم، وجاء في الحديث -وفيه كلام لأهل العلم-: أن قربهم من الرب -جل وعلا- في يوم المزيد قربهم بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة، وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم.
يقول: فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة؛ لأنه حريصٌ على هذه الرؤية، ولذا لزم منزلة المراقبة لله -جل وعلا- فعبد الله -جل وعلا- في الدنيا كأنه يراه.