هذا إذا كانت المعصية المتوقعة والتي تغلب على الظن أنها لا تفوت، فإنه لا يجوز حينئذٍ اقتحام البيوت، أما إذا كانت المعصية تفوت فلا بد من هذا، إذا غلب على الظن أن رجلاً خلا بآخر ليقتله أو خلا بغلام ليلوط به، أو امرأة ليزني بها حينئذٍ إذا كان هذا الأمر يفوت فلا بد من الاقتحام، ولا بد من تخليص المجني عليه من الجاني، هكذا قرر أهل العلم.
الأولى: روي: أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعاً خرباً ولا مسكوناً إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد؛ لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات، فإذا زالت العلة زال الحكم.
يعني إذا احتاج أن يقضي حاجته في خربة لا يحتاج أن يستأذن إذا عرف أنه ليس فيها أحد، وكذلك إذا أراد أن يأتي إلى محل دكان مفتوح فيه البضائع ما يجلس عند بابه ويستأذن صاحبه، مثل هذا لا يحتاج إلى إذن.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت، فقال محمد ابن الحنفية وقتادة ومجاهد: هي الفنادق التي في طرق السابلة، قال مجاهد: لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم أي استمتاع بمنفعتها، وعن محمد ابن الحنفية أيضاً: أن المراد بها دور مكة، ويبينه قول مالك، وهذا على القول بأنها غير متملكة، وأن الناس شركاء فيها، وأن مكة أخذت عنوة ..
هذا على قول من يقول: أن مكة فتحت عنوة، وأنها أوقفت كأرض السواد وليست ملكاً لأحد، وأن الناس فيها سواء، وهذا مقتضى كونها عنوة، وأما من قال: أن فتحت صلح وبقي كل شخص في بيته ملكه ثابت له فلا يرد مثل هذا الكلام، وعلى القول بأنها فتحت عنوة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- منّ على أهل مكة ببيوتهم ومساكنهم كما منّ عليهم بأنفسهم، وقال:((أنتم الطلقاء)) فتكون أيضاً ملكاً لأصحابها، ولو كانت عنوة.