نعم، ليس المقصود الطعام نفسه، وإنما هو كناية لما يعقبه من الحدث؛ لأنه قد يقال: هذا نبي مرسل من قبل الله -جل وعلا- فإذا افترضنا أنه يأكل مثلما يأكل الناس لكن كيف يتصرف هذا الأكل بعد ذلك، وهذا نقص ولا شك أن هذا باعتباره بشر هو مثل البشر يأكل وينتج منه ما ينتج من غيره، فهو كناية عن الحدث، هم لا يريدون الأكل لذاته؛ لأن الأكل لا عيب فيه، اللهم إلا من جهة الحاجة إليه، والرسول على حد زعمهم ينبغي أن لا يكون محتاجاً، فبيّن الله -جل وعلا- {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [(٢٠) سورة الفرقان] ومع ذلك يلزم منهم ما يلزم غيرهم من الفضلة.
قلت: وهذا بليغ في معناه، ومثله {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [(٧٥) سورة المائدة]، {وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [(٢٠) سورة الفرقان] قراءة الجمهور {يَمْشُونَ} بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين، وقرأ علي وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة بمعنى يدعون إلى المشي ويحملون عليه، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة، وهي بمعنى: يمشون، قال الشاعر:
ومشَّى بأعطان المباءة وابتغى ... قلائص منها صعبة وركوب
وقال كعب بن زهير:
منه تظل سباع الجو ضامرة ... ولا تمشِّي بواديه الأراجيل