وقد قال سليمان بن حرب: إن (في) بمعنى عند، أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله -عز وجل-: {وَلَبِثْتَ فِينَا} [(١٨) سورة الشعراء] أي عندنا، وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي، وقال قبله: إن هذه الآية نصٌ في غرضنا دليل على صحة مذهبنا، أصلٌ في براءة النبي -صلى الله عليه وسلم- مما ينسب إليه أنه قاله، وذلك أن الله تعالى قال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [(٥٢) سورة الحج] أي في تلاوته، فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن الله تعالى قولاً زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، كما يفعل سائر المعاصي، تقول: ألقيت في الدار كذا وألقيت في الكيس كذا، فهذا نص في الشيطان أنه زاد في الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم به، ذكر معنى كلام عياض إلى أن قال: وما هُدي لهذا إلا الطبري لجلالة قدره، وصفاء فكره، وسعة باعه في العلم، وشدة ساعده في النظر، وكأنه أشار إلى هذا الغرض وصوَّب على هذا المرمى، وقرطس بعد ما ذكر في ذلك روايات كثيرة كلها باطل لا أصل لها، ولو شاء ربك لما رواها أحد ولا سطرها، ولكنه فعال لما يريد ...
كونها تذكر وتروى وتسطر وفيها ما فيها كغيرها مما يوصف ويختلق وينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يقله من الأحاديث الباطلة والموضوعة، وبقاؤها وتسطيرها وكتابتها وتدوينها لتعظم أجور أهل العلم في نقدها وتفنيدها وردها، وتعظم فتنة من أراد الله فتنته من أهل الزيغ من التمسك بها والعمل بها، كغيرها من الأحاديث الباطلة.
وأما غيره من التأويلات مما حكاه قوم أن الشيطان أكرهه حتى قال كذا ...
يعني الشيطان أكره النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى قاله.