وقال ابن شهاب: قلت له: تقول الشعر في نسكك وفضلك؟!
يعني مع عبادتك وعلمك تقول الشعر؟
فقال: إن المصدور إذا نفث برأ.
نعم، إذا نفّس عن نفسه خفّ عليه ما يجد.
الثانية: وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم، فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحّهم على حاتم، وأن يبهتوا البريء، ويفسقوا التقي، وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء، رغبةً في تسلية النفس وتحسين القول، كما روي عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختامِ
فقال: قد وجب عليك الحد، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [(٢٢٦) سورة الشعراء]، وروي أن النعمان بن عدي بن نظلة كان عاملاً لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال:
من مبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتمِ
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... ورقاصة تحذو على كل منسمِ
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلمِ
لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدمِ
فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال: إي والله إني ليسوءني ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً مما قلت، وإنما كانت فضلةً من القول، وقد قال الله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [(٢٢٤ - ٢٢٦) سورة الشعراء] فقال له عمر: أما عذرك فقد درأ عنك الحد، ولكن لا تعمل لي عملاً أبداً وقد قلت ما قلت، وذكر الزبير بن بكار قال: حدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لم يكن له همّ إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة: إني قد عرفت عمر والأحوص بالشر والخبث فإذا أتاك كتابي هذا فاشدد عليهما واحملهما إليّ، فلما أتاه الكتاب حملهما إليه، فأقبل على عمر فقال: هيه:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى