الثالثة: روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا))، وفي الصحيح أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذوا الشيطان -أو أمسكوا الشيطان- لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً))، قال علماؤنا: وإنما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا مع هذا الشاعر لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتخذ الشعر طريقاً للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذم إذا منع، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم، ولا خلاف في أن من كل على مثل هذه الحالة، فكل ما يكتسبه بالشعر حرام، وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه، فإن لم يمكن ذلك لمن خاف من لسانه قطعاً تعيَّن عليه أن يداريه بما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل له أن يعطى شيئاً ابتداء؛ لأن ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد من ذلك بدا أعطاه بنية وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة، قلت قوله:((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) القيح: المدة يخالطها دم، يقال منه: قاح الجرح يقيح وتقيَّح وقيَّح، و (يريه) قال الأصمعي: هو من الوري على مثال الرمي: وهو أن يدوي جوفه، يقال منه: رجل موري مشدد غير مهموز، وفي الصحاح: ورى القيح جوفه يريه وريا: إذا أكله، وأنشد اليزيدي: