للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري كما تقدم (شرح الحديث رقم: ٤٠١١) ، وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً ولا هجره، لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشاً خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ له عندهم يداً، فعذره بذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه، فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً، والله أعلم".اهـ. الفتح (٨/ ١٢٠) .
قلت: ولعل الحافظ ابن حجر يرد هنا على ابن القيم وهو المقصود بقوله: واستدل بعض المتأخرين، والله أعلم، فقد قال ابن القيم: وقوله: "فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة" هذا الموضع مما عُدَّ من أوهام الزهري، فإنه لا يحفظ عن أحد من أهل المغازي والسير ألبتة، ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي، ولا أحد ممن عدَّ أهل بدر، وكذلك ينبغي ألاّ يكونا من أهل بدر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر حاطباً ولا عاقبه وقد جس عليه، وقال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأين ذنب التخلف من ذنب الجس" زاد المعاد (٣/ ٥٧٧) .
ثم نقل كلام ابن الجوزي قوله: "ولم أزل حريصاً على كشف ذلك وتحقيقه حتى رأيت أبا بكر الأثرم قد ذكر الزهري وذكر فضله وحفظه وإتقانه وأنه لا يكاد يحفظ عليه غلط إلا في هذا الموضع، فإنه قال: إن مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية شهدا بدراً، وهذا لم يقله أحد غيره، والغلط لا يعصم منه إنسان" زاد المعاد (٣/ ٥٧٧) .
وقد أخرج ابن الجوزي حديث كعب، ثم قال عقبة: وقوله: "رجلين شهدا بدراً" وهم من الزهري فإنهما لم يشهدا بدراً، المنتظم (٣/ ٣٧١) .
قلت: والحديث يرد عليهم جميعاً فإنه ظاهر أنه من كلام كعب بن مالك رضي الله عنه كما ذكر الحافظ.
والحق أن تعليل ابن القيم ليس في محله فقد ذكر أن من بين المتخلفين في غزوة تبوك أبا لبابة بن عبد المنذر، انظر: الرواية رقم [١٨٥] . وقد ثبت أن أبا لبابة عد من أهل بدر، انظر: مسند أحمد (٦/ ٣) ، وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح"، وانظر: الحاكم (٣/٢٠) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وانظر: مجمع الزوائد (٦/ ٦٨) ، وابن إسحاق (ابن هشام ١/ ٦١٢) ، والواقدي في المغازي (١/ ١٠١) ، وابن سعد في الطبقات (٢/ ١٢) ، والبداية والنهاية (٣/ ٣٦٠) ، ومع ذلك فقد ربط نفسه في سارية من سواري مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تاب الله عليه، فكون من شهد بدراً وجنى جناية لا يعاقب عليها - كما هو واضح من كلام ابن القيم رحمه الله كما قال الحافظ في الكلام السابق - لا يُسّلَّم له في ذلك، والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>