ومع ذلك كله كانت هذه الدعوة - حين قامت على الحق والعدل - تنتصر وتنتشر، فقد قاوم إمامها وعلماؤها وأتباعها وأمراؤها كل هذه التحديات، بقوة الإيمان واليقين والعلم والحلم، والصبر والثبات.
وإن الواقع ليشهد أن هذه الدعوة - رغم التحديات الكبيرة - كانت تظهر وتعلو وتؤتي ثمارها الطيبة حتى في فترات ضعف السلطة، بل وفي البلاد التي لا توجد فيها لها سلطان ولا قوة حين لا تملك إلا قوة الحجة، وما ذلك إلا لأنها تمثل الإسلام الحق الذي كتب الله له البقاء والظهور إلى قيام الساعة، ولأنها تملك عوامل البقاء والثبات ومقومات القوة والنصر، ولأنها تستمد القوة من نصرها لدين الله دين الحق والعدل، ومن وعد الله تعالى لكل من نصر هذا الدين كما قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٤٠][سورة الحج، آية: ٤٠] .
ولأنها كانت تخاطب العقول السليمة والفطرة المستقيمة، والقلوب الواعية المتجردة من الهوى.
[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]
عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وبين خصومها إن انتصار الدعوة وانتشارها وقيام دولتها مهيبة شامخة مع عدم التكافؤ بين إمكاناتها وإمكانات خصومها دليل كافٍ على ما تحمله من الحق والعدل.
لقد تهيأ لخصوم الدعوة والمعارضين لها من الإمكانات والوسائل والقوى، والإغراءات والأسباب المادية، للهجوم على الدعوة ما لا تملك الدعوة منه إلا اليسير سوى القوة المعنوية، لا سيما في أول عهدها.
فكان الخصوم يستعدون دولة كبرى وهي الدولة التركية التي ساندت المناوئين للدعوة في أول الأمر ثم تحولت إلى خصم لدود للدعوة في نهاية المطاف، وأعلنت الخصومة المذهبية والعقدية والسياسية، والحرب العسكرية على الدعوة وأهلها؛ لأن الدولة التركية في آخر عهدها تبنت البدع ودانت بالتصوف والقبورية، وهذا التوجه لا شك أنه معاكس لمنهج الدعوة الإصلاحية التي تقوم على تصحيح العقيدة والعبادة وتحارب التصوف والقبورية.