٥ - اتهامهم بالتكفير واستحلال القتال: ولما ظلموهم وقاتلوهم؛ هبوا للدفاع عن أنفسهم ودينهم ودولتهم وحقوقهم، إلى أن صار لهم كيان وقامت لهم دولة تنشر السنة، وتحارب الشركيات والبدع، وتنصر المسلمين وتقيم العدل، وتحكم بالشرع، بعد ذلك، اتهمهم خصومهم بالقتال والتكفير والتشدد ونحو ذلك من الأوصاف التي هي إلى المدح والتزكية أقرب منها إلى الذم والتجريح؛ لأنهم حين قاتلوا ابتداء قاتلوا دفاعًا عن أنفسهم وعن دعوة الحق حتى صارت لهم دولة وكيان يحمون به حقوقهم ودينهم ومصالحهم.
وحين تمسكوا بالدين وأخذوا بالسنة فهذا أمر ممدوح وإن سماه خصومهم والجاهلون تشدداً. فالعبرة بالمضامين والحقائق لا بالألفاظ التي يتلاعب بها الشياطين.
[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]
٦ - دعوى معارضة علماء المسلمين وعقلائهم لها: ومما يثار على الدعوة من قبل خصومها والجاهلين بحقيقتها، أن بعض العلماء والصالحين، وبعض العقلاء الأقربين قد عارضوها، مع أن بعضهم كان قد وافق الإمام في أول دعوته، ثم عارضه أو تخلى عنه.
فأقول: أولًا ليس شرطًا في صحة الدعوة وسلامتها موافقة كل العلماء والأمراء والعقلاء والصالحين. فقد تصرفهم عنها الصوارف التي تعتري البشر، من الأهواء والحسد، والخوف، والشهوات، والشبهات، والتلبيس، والاجتهاد الخاطئ، وغيرها من الصوارف.
وثانيا: أن كثيرين من العلماء والصالحين والوجهاء والأمراء كانوا قد وافقوا الشيخ والإمام في أول دعوته، لكنها لما وصلت إلى مرحلة الصدع بالحق، ورفع الظلم والجهل والبدع والحزم والقوة، ولما رأوا الجد والتبعات التي تترتب على إعلان الحق والتصدي للباطل، تراجع بعضهم، وضعف آخرون، وتأثرت فئة ثالثة بالدعاية المضادة، واستجابت لضغوط الواقع، وإرجاف أهل الباطل، وسكت آخرون إيثارًا للعافية.
وظهرت ردود الأفعال قوية عنيفة فلم يستطع الثبات أمام عواصفها إلا أولو العزم والصبر - وهم قليل - وتلك سنة الله في خلقه.