الإمام المجدد ودعوته نشأته وشمائله: ظهر الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - المولود سنة (١١١٥هـ) المتوفى سنة (١٢٠٦هـ) بدعوته في قلب نجد، وكانت أحوج ما تكون إلى الإنقاذ من براثن البدع والخرافات والتشتت والجهل والإهمال، وكانت البواعث للإصلاح قوية وضرورية، كما سيأتي بيانه بعد قليل.
وقد ولد هذا الإمام ونشأ في بيئة علم وصلاح واستقامة، فكان أبوه وجده وكثيرون من أفراد أسرته من العلماء والوجهاء، ولهم باع في الفتيا والقضاء والتدريس، مما ساعد هذا الناشئ على استغلال مواهبه الفذة وتوجيهها على منهج شرعي متين وأصيل وفي جو علمي مأمون.
ولعل من المفيد أن أشير هنا إلى أهم مقومات الصلاح والإصلاح والزعامة والإمامة في شخصية هذا المصلح الكبير:
فهو منذ نشأته قد ظهرت عليه سمات العبقرية والمواهب الفذَّة والنبوغ من الذكاء والفطنة والحفظ، والقوة في الفهم، والعمق في التفكير، مما أهّله في وقت مبكر للتلقي والرسوخ في العلم والفقه، مع قوة التدين والإيمان والعبادة والخصال الحميدة من الأمانة والصدق والرحمة والإشفاق والسخاء والحلم والصبر وبُعْدُ النظر وقوة العزيمة، وغيرها من الصفات القيادية التي قَلَّ أن توجد إلا في الأفذاذ والنوادر من رجال التاريخ.
وذلك بخلاف ما يشيعه عنه خصومه وما يصورونه به لأتباعهم من الغوغاء والجهلة والمحجوبين عن الحقائق من أنه جاهل وغبي وشرير وعنيف وقليل التدين والورع! ، ونحو ذلك من الأوصاف التي يربأ العاقل بنفسه عن ذكرها فضلًا عن اعتقادها أو تصديقها.
وهل يعقل من جاهل وغبي أن يقوم بهذه الأعمال الجليلة وأن يثير حفيظة هؤلاء الخصوم ويحرك جيوشهم ويقض مضاجعهم؟ ! وهل يمكن لقليل الورع والتدين أن يقوم بهذه الحركة الإصلاحية التي ملأت سمع العالم وبصره إلى اليوم؟ ! وينصره الله ويؤيده ويعلي به الدين؟ ! .