للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي الحال بالنسبة لكل المصلحين لم يفهم محمد بن عبد الوهاب من قبل أصدقائه ولا من قبل أعدائه (١) فأعداؤه حينما سمعوا بفرقته الجديدة التي تهاجم انحراف الأتراك وتنظر إلى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بغير نظرتهم التقديسية اقتنعوا بسهولة أن عقيدة جديدة قد اعتنقت، وأن الوهابيين لذلك ليسوا مجرد ضالين بل كافرين (٢) وقد تأكد لديهم هذا الاعتقاد أولا بخداع شريف مكة غالب، وثانيا بنذير الخطر الذي حل بكل الباشوات المجاورين (٣) .

فقد كان شريف مكة العدو اللدود لحكومة الوهابيين حريصا على توسيع شقة الخلاف بين هؤلاء وبين الإمبراطورية التركية، ولذلك نشر بمهارة متواصلة تقارير عن الوهابيين بأنهم كفار؛ ليحبط كل محاولة للتفاوض معهم (٤) ولم يكن باشوات بغداد ودمشق والقاهرة القريبون من البدو المفزعين أقل حرصا منه على إظهار مخططات أعداء المفاسد التركية، وبالتالي العقيدة التركية، بأحلك الألوان " (٥) .

" وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك تقارير كثيرة من الحجاج الذين ذهبوا عن طريق البحر إلى جدة ومكة، وعانوا من غطرسة الجنود الوهابيين، ولم يسمح لهم بأداء الحج أحيانا، وبعد عودتهم إلى بلادهم بالغوا في تصوير ما عانوه، ومن المؤكد أن وصفهم للوهابيين لا يمكن أن يكون محايدا، ولذلك لم يكن غريبا أن أصبح من المعتقد في الشرق عامة أن


(١) أكثر أصدقاء الشيخ محمد قد فهموه فهما جيدا، لكن من عامة أتباعه من جهل مبادئه نوعا ما، أما أعداؤه فمنهم من فهمه لكنه حاربه عنادا، ومنهم من جهله فعارضه بناء على ما أشيع عنه خطأ (العثيمين) .
(٢) ينظر الوهابيون إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظرة شرعية، يحبونه ويتبعونه، ولكنهم لا يصرفون إليه أي نوع من أنواع العبادة (العثيمين) .
(٣) كانت مبادئ دعوة الشيخ محمد قد وصلت إلى الحجاز قبل أكثر من أربعين سنة من تولي الشريف غالب الحكم، وكانت قد وصلت إلى هناك مشوهة عن طريق معارضيها في نجد، ووقف أشراف الحجاز منها موقفا عدائيا منذ البداية، إذ سجنوا أتباعها ومنعوهم من الحج سنين طويلة، ثم بدءوا يحاربونها عسكريا منذ سنة ١٢٠٥ هـ.
انظر تفاصيل ذلك في كتاب: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ص (٦٦ - ٦٩) (الدكتور عبد الله العثيمين) .
(٤) في عهد الشريف مسعود بن سعيد - أي قبل تولي الشريف غالب الحكم بأكثر من أربعين سنة - أصدر قاضي الشرع بمكة حكما كفر فيه الشيخ محمدا وأتباعه، فمنعوا من أداء الحج سنين طويلة (العثيمين) .
(٥) من الواضح كره المؤلف للأتراك، على أن عقيدة الأتراك لا تختلف عن عقيدة غيرهم من المسلمين، فقد كانت البدع والخرافات منتشرة لديهم ولدى غيرهم على حد سواء (العثيمين) .

<<  <   >  >>